دولة المماليك: من التأسيس إلى السقوط

دولة المماليك: من التأسيس إلى السقوط

لم تكن دولة المماليك في التاريخ الإسلامي مجرد دولة صغيرة عابرة، بل أصبحت امبراطورية مركزية كبرى في تاريخ الحضارة اﻹسلامية والعالمية، وهذا بخلاف كثير من الدول الصغيرة التي كانت ظهرت واختفت من حين ﻵخر على أطراف الخلافة العباسية، وقد أصبحت دولة المماليك هي القيادة اﻹسلامية الكبرى البديلة الذي ظهرت على مسرح الأحداث بعد سقوط الخلافة الإسلامية في بغداد، وبالرغم من قيامها بإحياء الخلافة العباسية من جديد في القاهرة، فقد ظل الخليفة منصباً شكلياً بينما تركزت السلطة الفعلية بيد السلطان المملوكي، وهذا مماثل لحالة الدولة الأيوبية التي كانت هي التي تحكم بشكل فعلي بالرغم من وجود الخليفة العباسي اسمياً في بغداد، وقد استمر حكم المماليك من سنة 648هـ 1250م، حتَّى سنة 923هـ 1517م.

أُصول المماليك ومراحل دولتهم

يعد عصر دولة المماليك فترة غامضة ومتشابكة، ومن المعروف أن جميع المصادر اﻹسلامية والعالمية قد علقت كثيراً على التناقض بين كون أمرائها مماليك وسلاطين في آن واحد، لكن الراجح أنه تم اعتاقهم بسبب إصرار الشيخ عز الدين ابن عبد السلام على ذلك، ولكن بقي اسم المماليك ملتصقاً بهم، وقد كان الخلفاء العباسيون هم أول من بدأ بجلبهم للجيش والمناصب من مناطق الترك والشركس والصقالبة وبلاد ما وراء النهر، وتبعهم في ذلك الفاطميون والأيوبيين، إلى درجة أن الشعوب في بلاد المصدر أصبحت تبيع أولادها عمداً إلى بلاد المسلمين بسبب ما اشتهر بأن لهم مستقبل مشرق من المناصب والثراء.

وقد كان للمماليك نظام تربوي وعسكري خاص بهم، وتتم تنشئتهم على اﻹسلام وأخلاق الفرسان، مما أدى تهذيب الكثير منهم، وإلى التقليل من قسوة وصراعات البعض اﻵخر منهم، كما جعل ذلك من بعضهم حكاماً متميزين بالعدل وحمل راية الجهاد في سبيل الله، والحرص على نجدة المسلمين، باﻹضافة لرعاية العلماء والمخترعين ومختلف مظاهر الحضارة العمرانية.

ولتوضيح الغموض حول دولة المماليك، يمكن تقسيمها عدة مراحل:

– مماليك ما قبل الدولة: وهي مرحلة وجود المماليك في المناصب وقيادات الجيوش، حيث ازداد نفوذهم عبر قرون من الزمن منذ بواكير عصر العباسيين إلى أن جاء وقت حرج، حيث فيه سقطت جميع دول المسلمين الكبرى، فلم يتوفر بديل عن المماليك، وقد أثبتوا جدارتهم في صد الغزو المغولي في معركة عين جالوت، فتلقفت اﻷمة الإسلامية تشكل دولتهم بالقبول.

مرحلة دولة مماليك البحرية: وهي مرحلة تأسيس الدولة المملوكية الفعلي على يد الظاهر بيبرس بعد تأسيسها على عجل من قبل الملك قطز، وتشتمل هذه المرحلة أيضاً على حكم العائلة المملوكية القلاوونيَّة برغم قيامها على مبدأ انتقال الحكم للأمير المملوكي اﻷقوى.

مرحلة دولة مماليك البرجية: وهي فئة أخرى من المماليك حكمت بعد سقوط حكم عائلة قلاوون، وتميزت أيضاً برفض توريث الحكم رغم وجود فترة حكم سلالة آل برقوق القصيرة، ثم انهارت الدولة المملوكية تماماً بعد حوالي قرن على يد العثمانيين.

أوجه التشابه مع الدول اﻷخرى

تتشابه دولة المماليك مع الدول الإسلامية اﻷخرى في العديد من اﻷمور وخاصة الدولة اﻷيوبية، كما تختلف طبيعة نظام الحكم فيها عن الدول اﻹسلامية اﻷخرى، ومن أهم أوجه التشابه والاختلاف ما يلي:

– تتشابه ظروف قيامها مع ظروف قيام الدولة اﻷيوبية التي قامت في ظروف صعبة بعد الغزو الصليبي للشام، حيث كانت شرارة قيام دولة المماليك أيضاً هي غزو المغول لبغداد والشام وتطلعهم لغزو مصر، مما أدى لانهيار الدولة الأيوبية وقيام دولة المماليك بدلاً منها.

– تتشابه دولة المماليك مع الدولة اﻷيوبية في كثرة الفتوحات وتحرير مساحات شاسعة من المناطق التي احتلها الصليبيون والمغول، كما أنها اتسعت لتشمل أكثر من الأقاليم العربية التي حكمتها الدولة اﻷيوبية، حيث استطاعت توسيع أراضيها عبر القضاء على الصليبيين تماماً.

– تتشابه في كثرة الصراعات بين سلاطينها مع الدولة اﻷيوبية وما سبقها من دول صغيرة، وأيضاً بوجود التحالفات العابرة مع الدول المجاورة وأحياناً مع الصليبيين والمغول لأغراض الهدنة، إلا أنها قليلاً ما قامت بتحالفات من باب الخيانة مثل الدويلات التي سبقت الدولة اﻷيوبية.

– بالرغم من كثرة الصراعات والقتال الداخلي في دولة المماليك، إلا أنها بقيت صراعات داخلية بين أمراء المماليك في الغالب، ولم تؤدِ إلى ضرورة إعادة توحيد الدولة المملوكية من جديد عبر حروب أهلية من حين ﻵخر كما كان يحدث في الدولة اﻷيوبية، حيث كانت الدولة اﻷيوبية تنقسم في كل مرة بعد وفاة السلطان وتحتاج ﻹعادة التوحيد من جديد، مما أدى أحياناً لوجود بعض التحالفات المؤقتة التي قد تشوبها شبهة الخيانة مع الصليببين مع قبل بعض أبناء وأحفاد صلاح الدين.

– تميزت دولة المماليك برفض مبدأ توريث الحكم، وبأن يكون الحكم للأمير المملوكي اﻷقوى، إلا أنه برغم ذلك استطاعت بعض العائلات مثل بيت قلاوون البقاء في الحكم لجيلين أو أكثر. بينما كان مبدأ انتقال الحكم السائد في الخلافتين اﻷموية والعباسية هو التوريث بشكل رئيس، وهذا المبدأ قد استمر في الدولة اﻷيوبية إلا أنه تعرض أكثر من مرة للخضوع لمبدأ الانتقال إلى الحاكم اﻷقوى، مما مهّد لاستقرار هذا الشكل من انتقال الحكم في دولة المماليك.

– تميزت دولة المماليك بسبب انحصار صراعات انتقال الحكم بين اﻷمراء فقط بوجود أوقات طويلة من الاستقرار في ما بين فترات الصراع، حيث أمكن للحضارة الإسلامية نوعاً ما أن تنهض من جديد، وقد كتب ابن خلدون وغيره الكثيرون من المؤرخين والرحالة عن رسوخ وعظمة الحضارة الإسلامية في العصر المملوكي، رغم أنها أيضاً باعترافهم كانت بداية عصر الانحطاط.

– استطاعت دولة المماليك أن تصل لمستوى دولة الخلافة الإسلامية العامة نتيجة نجاحها في مواصلة تحرير بلاد المسلمين من المغول والصليبين حتى التحرير الكامل، كما أنها فتحت بلاد النوبة وتمكنت من فرض هيبتها على مستوى عالمي، باﻹضافة إلى أن الدولة العثمانية لم تتحول من سلطنة عادية إلى خلافة إسلامية كبرى إلا بعد إسقاطها لدولة المماليك.

تأسيس دولة المماليك البحرية

بدأ أمر دولة المماليك نتيجة توسع الدولة اﻷيوبية في استجلابهم لقيادة الجيوش، ولكن سبب قيام دولة المماليك في هذا الوقت بالذات، بالرغم من نفوذهم منذ عصور طويلة في عدة دول إسلامية سابقة، هو نتيجة انحلال وتفكك الدولة اﻷيوبية تحت ضغط الغزو المغولي الذي قضى أيضاً على الخلافة العباسية في بغداد سنة 656 هـ 1258م، وذلك بالتزامن مع تواصل الحملات الصليبية التي كان آخرها الحملة الصليبية الخامسة على مصر التي انتهت بالفشل بفضل قيادة المماليك العسكرية في موقعة المنصورة. كل ذلك جعل الظروف اضطرارية للغاية بحيث سمحت حتى بتولي امرأة مملوكية للحكم وهي شجرة الدر سنة 648 هـ 1250م، وذلك بحكم كونها أرملة الملك الصالح أيوب، وهذا الانتقال في السلطة يشابه الانتقال الذي حصل من الدولة الزنكية إلى اﻷيوبية بوراثة صلاح الدين الأيوبي لخاله نور الدين زنكي، وهي ناتجة عن قرابة غير مباشرة.

ثم كانت البداية الفعلية لدولة المماليك بتولي المظفر قطز للحكم سنة 657 هـ 1259م، وتأسيس جيش ودولة جديدة بهدف مواجهة الغزو المغولي في معركة عين جالوت، وربما لم يدر في خلده أنه يؤسس لدولة ستبقى مستمرة حيث كان قطز زاهداً بالحكم، إلا أن ما فعله في مصر من تنظيم للجيش والإدارة كان حجر أساس لدولة المماليك التي استمرت ﻷكثر من قرنين ونصف من الزمن، حيث تمكن الظاهر بيبرس من بعده من استكمال تأسيس كامل أركان هذه الدولة على مدى عقدين من الزمن، بحيث ترسخ القبول الشعبي والرسمي لدولة يحكمها المماليك، كما أنه قد وطد دعائم هذه الدولة اﻷخرى من جميع النواحي بما في ذلك قيامه بضم مكة والحجاز وإرسال الكسوة للكعبة ثم إنزال هزيمة قاسية ثانيةً بالمغول في اﻷناضول في معركة البستان، باﻹضافة أيضاً لإحياء الخلافة العباسية في القاهرة مما عزز من شرعية هذه الدولة، وتسمى هذه فترة المماليك البحرية، وتمتد حتى سنة 784هـ 1382م.

السُلالة القلاوونيَّة

وبدأت بعد انتهاء حكم الظاهر بيبرس الذي حاول نقل السلطة إلى ابنه الملك السعيد، لكنه لم يتمكن من الاحتفاظ بها لصغر سنه، ثم اتفق أمراء المماليك على تولية سيف الدين قلاوون سنة 678هـ 1279م، وقد كان سلطاناً مهما من المماليك، فواصل الجهاد ضد المغول والصليبيين بين حرب وهدنة، وتمكن من القضاء على عدد من الثورات والمؤامرات، وكان طبعه وسط بين الرحمة والعفو المتآمرين أحياناً وبين ممارسة الشدة والقتل بحقهم. وقد تمكن من تحرير المزيد من الأراضي العربية من الصليبيين، ثم كان تحرير عكا آخر معقل للصليبيين في فترة السلطان خليل الذي تلاه لفترة وجيزة 1290م – 1293م، حيث قتله المماليك لسوء أخلاقه واستمرت الصراعات بينهم على الحكم لخمس سنوات.

ثم استلم الحكم محمد الناصر ابن قلاوون لثلاثة مرات، وكان قد تم عزله مرتين لصغر سنه وبسبب استمرار الصراعات، ثم تمكن أخيراً بعد بلوغه سن الرشد من العودة للسطلة بجدارة وبرغبة شعبية كبيرة، حيث بقي في الحكم لأكثر من ثلاثين سنة من 709 هـ 1309 وحتى وفاته سنة 741 هـ 1341م، وتميز عهده بالاستقرار والازدهار عقب انتهاء الحروب، ولحاجة الدولة والشعب للاستقرار السياسي، وقد كانت الدولة وقتذاك في أقصى اتساعها، ولم توجد في عهده سوى القليل من بقايا الحروب مع فلول بسيطة من فرسان الهيكل الصليبيين، كما عقد المهادنات مع دولة المغول التي كانت في طور الضعف، كما أنه قد أكثر من عقد العلاقات الدبلوماسية مع الدول اﻷوروبية للحيلولة دون عودة أي حملات صليبية من جديد.

أما على الصعيد الداخلي فقد كان هناك الكثير مما ينتظر العمل، فتم بناء العديد من المدارس والمساجد واﻷسواق، كما اهتم برعاية  ودعم العلم والعلماء، وبعد وفاته لم يتمكن أولاده وأحفاده من ملء الفراغ لوحدهم، حيث كانوا سلاطين شكليين بينما كانت السلطة الحقيقية بيد كبار اﻷمراء المماليك، وقد امتدت هذه السلالة لحوالي أربعين سنة، وبقيت الدولة قوية بفعل قوة الدفع اﻷولى بالرغم من ضعف معظم أبناء قلاوون، وهذا ما تحدث عنه ابن خلدون في نظرية أجيال الدولة، وقد انتهت هذه السلالة بفعل ظهور الطاعون الأسود والغارة الوحشية التي شنها ملك قبرص على الاسكندرية سنة 1365 م 767 هـ، ثم قام الأمير سيف الدين برقوق بخلع آخر سلطان من عائلة قلاوون سنة  784 هـ 1382 م وأنهى فترة دولة المماليك البحرية.

فترة المماليك البُرجيَّة

وقد نتجت عن كثرة استخدام السلاطين المماليك للعنصر الشركسي كمماليك لهم، أي إن هذه الدولة أو المرحلة هي وليدة سابقتها لنفس اﻷسباب التي قامت عليها دولة المماليك اﻷولى، كما عاد أيضاً المغول للسيطرة على الشام، ولكن هذه المرة كمسلمين بغاة تحت رئاسة الطاغية تيمورلنك، وكان اﻷمير بركة منافساً لبرقوق ولكن تمكن برقوق التغلب عليه، وبدأ بمحاولة توطيد أركان الدولة، ثم واجه العديد من المشاكل الداخلية مع المماليك اﻷتراك حيث تم عزله ثم إعادته للحكم، باﻹضافة لثورات عديدة أخرى مما جعلت ابنه من بعده، وهو السلطان فرج عاجزاً عن الدفاع عن دمشق في مواجهة تيمورلنك، وذلك بالرغم من نجاح برقوق قبيل وفاته في حشد التحالفات الإقليمية اللازمة مع العثمانيين وغيرهم ضد تيمورلنك.

لم تستمر السلالة البرقوقية طويلا مثل السلالة القلاوونية، وتلتها فترة من النزاعات بين اﻷمراء واشترك فيها الخليفة العباسي، إلى أن وصل للحكم أمير قاسي اسمه سيف الدين برسباي سنة 825 هـ 1422م، وبقي في الحكم لحوالي ستة عشر سنة، حيث قام بغزو قبرص والانتقام من حملتهم الشنيعة على الاسكندرية، ثم خلفه السلطان جقمق سنة 842 هـ إلى 857 هـ 1438م – 1453م، الذي تحسنت في عهده العلاقة مع الدولة التيمورية، وكان متديناً ومنع الخمور والمعاصي، ثم كان عهد السلطان قايتباي  872هـ 1468م والذي بقي في سدة الحكم حوالي ثلاثين سنة حتى وفاته سنة 901 هـ ـ 1496م، وقد كان متقشفاً على عكس عادة المماليك، وكان أيضاً كثير القراءة، باﻹضافة لشجاعته وفروسيته، وكان من أهم أعماله بناء قلعة الاسكندرية.

العلاقات مع العثمانيين والصفويين

يفترض نظرياً أن تتحكم الأسس العقائدية كثيراً في العلاقات بين الدول، فمن الممكن تصور أن تكون دولة المماليك صديقة للدولة العثمانية لأن كلاً منهما على المذهب السني، ولأن كلاهما أيضاً يعادي الدولة الصفوية الشيعية المتطرفة التي ظهرت سنة 906 هـ 1501م عقب سقوط دولة المغول في بلاد فارس والدولة التيمورية، إلا أنه وبالرغم من كون هذه الدول إسلامية ومحكومة بشريعة اﻹسلام، إلا أن المصالح والعلاقات النفعية لها أيضاً أثر كبير في جعلها تتصرف بشكل مشابه لسياسات الدول العربية المعاصرة إلى حد كبير.

فقد رحبت دولة المماليك بداية اﻷمر بالدولة العثمانية واحتفلت بفتح القسطنطينية سنة 857هـ 1453م لعدة أيام، كما أنها كذلك اﻷمر توجست من الدولة الصفوية واتخذت موقف منها العداء، إلا أنه عندما بدأت الدولة العثمانية بمشروعها لمحاربة توّغل الدولة الصفوية بعد غزوها للعراق وفرض المذهب الشيعي بشكله المتطرف بطريقة الإكراه، وجدت دولة المماليك في هذا التصرف العثماني – علاوة على فتح القسطنطينية – على أنه بداية لمنافسة ندية معها على قيادة العالم الإسلامي، فبدأت دولة المماليك بمراجعة مواقفها، ورفضت التحالف مع الدولة العثمانية ضد الصفويين، إلا أن هذا الموقف في المقابل لم يصل درجة التحالف الفعلي مع الصفويين.

وبغض النظر عما كان سيحدث لو لم تفعل دولة المماليك ذلك، فقد أدى هذا إلى معاداة دولة المماليك من قبل الدولة العثمانية، مما أدى مع أسباب أخرى إلى قيام الدولة العثمانية بغزو دولة المماليك والقضاء عليها تماماً، بل وحتى لأخذ العثمانيين لقب الخلافة من العباسيين، وفي الحقيقة فأنه على الأرجح أنه لم يكن توجد طريقة أخرى ناجحة لتتجنب دولة المماليك هذا المصير، فحتى لو تحالف المماليك مع العثمانيين ضد الصفويين، فقد من المرجح أيضاً أن ينتهي بهم اﻷمر إلى نفس النتيجة، حيث أن جميع الدول اﻹسلامية كانت تتنافس في طموحها لقيادة العالم اﻹسلامي منذ نهاية الخلافة الراشدة، لكن لو أن المماليك تحالفوا في الحرب مع العثمانيين ضد الصفويين لكان ذلك لهم أفضل كخاتمة مشرفة لحكمهم من مجرد الوقوف موقف المتفرج.

سقوط دولة المماليك

وقعت بين المماليك والعثمانيين عدة صراعات على الحدود بداية اﻷمر، إلا أنها انتهت بمعاهدة سلام سنة 896هـ 1491م، ثم لما ظهر الصفويون على الساحة عاد التوتر والتنافس من جديد بين العثمانيين والمماليك، وبعد انتصار العثمانيين على الصفويين في معركة جالديران سنة 920 هـ 1514م كانت هذه مفاجأة غير سارة للمماليك، فلم يحتفل السُلطان قانصوه الغوري بانتصار العثمايين كما يفترض أن يحدث، وهذا الموقف فيه ضعف لإدراك للخطر الذي يشلكه الصفويون لو انتصروا، ليس فقط على دولة المماليك ولكن على مجمل بلاد المسلمين أيضاً، حيث رفض المماليك عروض العثمانيين للتحالف معهم، مما عزز الاعتقاد لدى العثمانيين بأن المماليك أعداء.

وهكذا رأى السلطان العثماني سليم الأول الذي حكم من سنة 918 هـ إلى 926 هـ 1512م – 1520م أن من اﻷفضل أن يقوم بتوحيد البلاد التي يحكمها المماليك مع دولته لزيادة قوتها في مواجهة الصفويين، كما أنه استغل سأم الشعوب العربية من حكم المماليك الديكتاتوري، فبدأ السلطان سليم بضم إمارة ذي القدر التركمانية في اﻷناضول، وهو الأمر الذي اعتبره السلطان المملوكي قانصوه الغوري بمثابة إعلان حرب، فقرر التعبئة العامة، ولكن كانت مشاعر غالبية الجيش والشعب متعاطفة كثيراً مع العثمانيين مما دفع المماليك حتى لمحاولة التحالف مع الصفويين، ثم التقوا بجيش العثمانيين في معركة مرج دابق سنة 922 هـ 1516م التي هزم فيها المماليك هزيمة كبرى، وبدأت مناطق الشام تنضم تباعاً للعثمانيين.

كان وضع أمراء المماليك في غاية الانحطاط والضعف في مصر، وقد سببت لهم أخبار الهزيمة مزيداً من الاضطراب، فأضاعوا الكثير من الوقت بانتظار عودة اﻷمراء من الشام، ثم حاول المماليك في الوقت بدل الضائع اختيار طومان باي سلطاناً جديداً، إلا أنه هُزم أيضاً في جنوب الشام، ثم هُزم المماليك الهزيمة الكبرى في معركة الريدانية في مصر سنة 923 هـ1517م، وعلى الرغم من استيلاء العثمانيين على القاهرة بدون مقاومة، فقد تمكن طومان باي من استعادتها لساعات قليلة حتى منتصف الليل إلى أن تم القبض عليه أخيراً بعد فشل المفاوضات مع العثمانيين بسبب غدر المماليك بالوفد التركي المفاوض.

المراجع:

1. في التاريخ اﻷيوبي والمملوكي. تأليف د. أحمد مختار العبادي. ص 2 – 43. 114 – 228. 233 – 266.

2. المماليك. تأليف د. السيد الباز العريني. ص 9 – 12. 34 – 200.

3. السلطان برقوق مؤسس دولة المماليك والجراكسة. تحقيق إيمان عمر شكري.

4. تاريخ دولة المماليك فى مصر. وليم موير.