معركة مرج دابق: الأسباب والنتائج

معركة مرج دابق: الأسباب والنتائج

كانت الإمبراطورية العثمانية تعتبر أحد أقوى الإمبراطوريات في القرنين السادس عشر والسابع عشر، خاصّةً بعد سيطرتها على القسطنطينيّة عاصمة الدولة البيزنطية، والتي أصبحت تُسمّى إسطنبول عام 1453م، واتخذوها عاصمةً لهم، وكانت السيطرة على القسطنطينيّة بداية توجُّه الدولة العثمانيّة إلى أوروبا الشرقيّة بل وحتّى إلى أوروبا الوسطى لاحقًا، لكنّ سلطاناً واحداً من العثمانيين قرّر تغيير وجهته إلى الشرق بدلاً من الغرب، وهو السّلطان سليم الأوّل، الذي حول انتباهه إلى سلطنة المماليك التي كانت تهيمن على مصر والشام والجزيرة.

العلاقات العثمانية المملوكية

قويت العلاقات في عهد الأشرف برسباي، فقد أرسل السلطان مراد الثاني بعثة إلى القاهرة لتهنئة برسباي باعتلائه العرش وأغدق عليه بالهدايا، ورد برسباي بما يناسب مقامه أيضا.

كما أرسل السلطان سفارة عثمانية إلى القاهرة لتهنئة برسباي بمناسبة انتصاره في جزيرة قبرص، وظل الوفد العثماني في المدينة ليشهد احتفالات الجيش المملوكي.

كما استقبل برسباي في أحد المرات في مقره في حلب حينذاك اثنين من أبناء أخ السلطان العثماني، وهما سليمان وشاهزادة وأكرمهما واصطحبها إلى القاهرة.

ثم في عهد السلطان جقمق، أرسل مراد الثاني هدية إلى السلطان المملوكي بعد انتصاره على تحالف أوروبي في معركة فارنا، وذاك لإظهار حرص العثمانيين على جهاد الأوروبيين أمام الرأي العام الإسلامي، وكانت هديته خمسين أسيرا وخمسة من الجواري وكمية كبيرة من الحرير.

وفي عهد اينال استمرت العلاقات الطيبة، فبعد أن فتح محمد الفاتح القسطنطينية أرسل إلى السلطان المملوكي رسالة يبشره بالنصر العظيم، فرد عليه اينال بتهنئة واحتفلت القاهرة بهذا النصر في الشوارع والحارات والأسواق.

إلا أن العلاقات العثمانية المملوكية دخلت صفحة جديدة أكثر عِداءً بعد دخول العثمانيين إلى البلقان وتطلعهم لآسيا الصغرى لاستكمال ضمها ودخول الجزيرة الفراتية التي تفتح الباب أمامهم نحو البلاد العربية لتأمين خطوط استراتيجية في بلاد الشام والعراق وصولا إلى المحيط الهندي، إلى جانب ضم بعض الأراضي المملوكية التي توفر طريقا بحريا يسهل المرور لبلاد فارس.

وفي عهد خشقدم شهدت العلاقات بينهما تحسنا ملحوظا، وكان ذلك بسبب انشغال محمد الفاتح بفتوحاته في أوروبا وتفرغ خشقدم لانشغالاته الداخلية.

غير أن العلاقات بدأت بالتحول مجددا بعد وفاة محمد الفاتح وتولي ابنه بايزيد الثاني الحكم، حيث قد رأينا في أحد المقالات السابقة دور الصراع بين الأخوين بايزيد الثاني وجم في تأزّم العلاقات، وزاد التوتر مع مجاورة الدولتين بعد السيطرة المملوكية على إمارة رمضان في قليقيا، والثانية على إمارة ذي القدر في كبادوكيا، فكانت المواجهة الحربية بينهما تلوح في الآفاق.

الاستعداد للقتال 

كان السلطان قانصوه الغوري على دراية برغبة سليم في دخول بلاد الشام، فغادر إلى القاهرة في 18 ماي 1516م وجاء إلى سوريا لغرض التفتيش، وكان يصاحبه الخليفة المتوكل وقضاة المذاهب السنية الأربعة، وفي جوان حط بغزة وبقي فيها مدة خمسة أيام، ثم رحل بعد ذلك إلى دمشق حيث ظل هناك لتسعة أيام، ثم توجّه بعدها إلى حمص، حتّى وصل حلب في أوائل حزيران حيث جعل منها قاعدته الأماميّة.

وصلت أنباء تحركات الجيش المملوكي إلى القائد العثماني “سنان باشا” الذي كان يعسكر في ذي القدر التركمانية، فأرسل إلى السلطان سليم لإتخاذ الإجراءات العسكرية المناسبة لهذه التهديدات، فقام السلطان بالانضمام إلى قائده سنان باشا على رأس حملة كبيرة، لتأديب السّلطان قانصوه وحسم أمر المماليك.

وأثناء تجهيز الاستعدادات لمقاتلة العثمانيين، وصلت رسالة إلى السلطان قانصوه من نائب حلب خاير بك، يطمئن فيها السّلطان ويخبره بأنَّه لا رغبة لسليم الأوّل في مواجهته، وذلك ليصرفه عن الاستعداد للمعركة.

أكمل السلطان الغوري استعداداته وجمع جيوشه في الريدانية استعدادًا للخروج إلى الشام تحسبًا لأي مفاجأة قد تصدر عن العثمانيّين، وأثناء تواجده بالريدانية وصلته رسالة أخرى من خاير بك إلى جانب رسالة أخرى من السّلطان سليم موجّهة إلى السلطان الغوري مليئة بالألفاظ المتواضعة، ويقول فيها السلطان سليم “أنت والدي وأسألك الدعاء”.

أما السلطان قانصوه فرغم وضعه السيء إلَّا أنّه لم يملك خيارا آخر سوى القتال، وساءت أحواله بتخلي السّكان المحليُين عن المماليك وعدم مساعدتهم، بل أكثر من ذلك استعدادهم للثّأر بسبب الدعايات العثمانية التي وعدتهم بإرساء قواعد العدل، هذا فضلًا عن وجود انقسامات بين كبار قادة جيش المماليك (خاير بك حاكم حلب، جانبري الغزالي حاكم دمشق، وفخر الدّين المعني حاكم لبنان) واستعدادهم للتخلص من قانصوه الغوري مقابل الحفاظ على مراكزهم.

الأسباب وراء حدوث هذه المعركة

كان للسلطان العثماني أسباب عديدة دفعته للتوجه لضم الشرق الأوسط، نذكر منها:

1- الموقف العدائي للمماليك من الدولة العثمانية، حيث ساند السلطان قانصوه الغوري بعض الأمراء العثمانيين الهاربين من السلطان سليم وفي طليعتهم الأمير أحمد شقيق السلطان سليم، فانتهز قانصوه الفرصة واتخذ من وجود هؤلاء الأمراء عنده أداة لاستفزاز سليم واثارة المتاعب. كما كان انحياز الدولة المملوكية لصف الشاه إسماعيل الصفوي الذي كان في صراع مع السلطان سليم، ذو أثر سلبي على العلاقات مع العثمانيين، فقد كشفت المخابرات العثمانية وجود مراسلات سرية وخطاب تحالف بين السلطان قانصوه والشاه إسماعيل، وهو الآن محفوظ في أرشيف متحف طوب قابي باسطنبول.

2- النزاع على الحدود بين الدولتين في منطقة طرسوس التي تقع بين الجنوب الشرقي لآسيا الصغرى وشمالي الشام. فقد تواجدت بالمنطقة قبائل تأرجحت في ولائها بين الدولة العثمانية ودولة المماليك. وكان ذلك مبعث توتر واضطراب مستمر في العلاقات بينهما، فأراد السلطان سليم أن يحسم مسألة الحدود من خلال السيطرة التامة على المنطقة وكسب ولاء سكانها.

3- رغبة أهل الشام وعلماء مصر في التخلص من الدولة المملوكية والانضمام للحكم العثماني بعد تفشي الظلم والاضطهاد، فالتقى العلماء والقضاة والأعيان والأشراف مع الشعب، وتناقشوا في حالهم، وقرروا أن يتولى قضاة المذاهب الأربعة والأشراف كتابة عريضة، نيابة عن الجميع، يخبرون فيها السلطان العثماني سليم بأن الشعب السوري قد ضاق بالظلم المملوكي وأنَّ حكام المماليك يخالفون تعاليم الشرع الشريف، وأنه في حالة ما قرر السلطان الزحف على المماليك فإن الشعب سيرحب به ويسانده، ويطلبون من سليم أن يبعث لهم برسول من عنده يكون محل ثقة، ليقابلهم ويعطيهم عهد الأمان، كي يبعث الطمأنينة في قلوب الناس. وذكر الدكتور محمد حرب أنَّ هذه الوثيقة توجد في الأرشيف العثماني في متحف طوب قابي رقم 11634 (26).

4- إجماع علماء الدولة العثمانية على أن ضم مصر والشام سيسمح بتحقيق أهداف الأمة الاستراتيجية، فقد كان الخطر المحدق بالمناطق المقدسة من قبل التهديد البرتغالي (خاصة بعد بسط نفوذهم على المياه الإسلامية الجنوبية بعد معركة “ديــو”)، وخطر فرسان القديس يوحنا من بين أهم أسباب توجه سليم الأول نحو الشرق، فقد تحالف مع المماليك لهذه الغاية في البداية لعدم قدرة السلطنة المملوكية على حماية المقدسات الإسلامية، ولكنه بعد هزيمته للمماليك تكفل بالتصدي لهذه الأخطار لوحده.

ونستدل على ذلك من خلال ما تمَّ نقله من بعض المصادر التي تذكر أنَّ السُّلطان سليم وبعد سحقه لآخر سلاطين المماليك طومان باي في معركة الريدانية، أخبره بالآتي: 《أنا ما جئت عليكم إلَّا بفتوى علماء الأعصار والأمصار، وأنا كنت متوجهًا إلى جهاد الرافضة “يعني الصفويين” والفُجَّار “يعني البرتغاليين وفرسان القديس يُوحنَّا”، فلمّا بغى أميركم الغوري وجاء بالعساكر إلى حلب واتَّفق مع الرَّافضة واختار أن يمشي إلى مملكتي التي هي مورث آبائي وأجدادي، فلمّا تحققت تركت الرَّافضة، ومشيت إِليه》.

وقوع الصدام

في صباح يوم الأحد 24 آب، وقبل أن يطبق حر الصحراء المخيف، التقى الجيشان على مشارف حلب في مرج دابق عام 1516م، وكان الجيش العثماني محملا بحوالي ثلاثمئة مدفع متحرك مشدودة بعضها إلى بعض بالسلاسل، حسب ما ذكره مطرقجي نصوح في إحدى مخطوطته، وكان السلطان سليم قد ترك ابنه سليمان نائبا عنه في إسطنبول.

كان الجناح الأيمن يتشكل من قوات أمير أمراء قرمان خسرو باشا، وأمير أمراء الأناضول زينل باشا، وعلي بك شاه سوار أوغلو، ومحمود بك رمضان أوغلو من آل ذي القادر. أما في الجناح الأيسر فكانت هناك قوات أمير أمراء روم إيلي يوسف باشا، وأمير أمراء ديار بكر بيقلي محمد باشا، وقوات سعادة غيري ابن غيري منغلي.

أما بالنِّسبة للسلطان قانصوه الغوري فقد ترك ابن اخيه طومان باي نائبا عنه في مصر. كان الجناح الأيمن للجيش بقيادة نائب دمشق صباي، والجناح الأيسر بقيادة نائب حلب خاير بك، أما الوسط فكان تحت إمرة الخليفة المتوكل الثالث.

كان جيش المماليك أقلّ كفاءةً من الجيش العثماني وذو إمكانيات حربية ضعيفة، فقد كانت دولة المماليك في عهد تراجعها آنذاك، فقد شهدت صراعات داخليّة عديدة، لذلك قبل بداية القتال، أشاع قانصوه الغوري أنَّ جيش العدو يضم في صفوفه المسيحيّين وشعوب أخرى بغيضة، وكان قانصوه يهدف بذلك لإثارة الكراهية ضد العثمانيّين بين صفوف جنده.

ويصف المؤرّخ ابن إياس جيش المماليك في كتابه “بدائع الزهور في وقائع الدهور” كالتّالي: “ظهر الغوري في موكب القتال على جواده، وحوله طائفةٌ من الأشراف يحملون على رؤوسهم أربعين مُصحفاً في أكياسٍ من الحرير الأصفر، منها مصحفٌ بخط الخليفة الراشد الثّالث عثمان بن عفّان، بالإضافة إلى عشرات الآلاف من الجنود”.

كان السلطان قانصوه في مقدمة جيشه، فنظر لجنوده وقال: “أيها الجنود، أيها الأبطال، يا أبناء الترك، يا أصحاب هذه الأرض الحقيقيين، الذين جيء بكم عبيداً، كنتم مساكين لا يحق لكم الكلام، تضطرون إلى تنفيذ ما تؤمرون به، إلا أنكم وبعد أن ملكتم دولة تعد إحدى أقوى الدول، كنتم القوة الوحيدة على هذه البسيطة التي تمكنت من صد المغول، أنتم كنتم السد المنيع يوم وقع يلدرم بيازيد مع حاشيته أسرى، ومات في بلاد المغول الأعداء، أنتم وحدكم نور هذه الدنيا، أنتم الذين سموتم بانتصاراتكم، أيها الأبطال، يا قرة عين الزمان، لعل من يريدون إزالتكم من الوجود اليوم هم من عرقكم، حافظوا على ثباتكم، ولتكن أيديكم صلبة كالسيوف التي تحملونها، ولا تجعلوا للرجفة طرقاً إلى قلوبكم، ها قد جاء اليوم الذي تثبتون فيه للقاصي والداني كبريائكم وشموخكم وإرادتكم التي لا تلين، من العار ألا تدين الأرض لأمثالكم بالولاء. بوركتم وبوركت فتوحاتكم”. فبدأ الجيش كله يكبر وأخذ الجنود يضربون دروعهم بسيوفهم ورماحهم، فغطى مرج دابق دوي مخيف.

أما سليم الذي كان على رأس جنده وخلفه فرسان غلمان القصر بمظهرهم المهيب يحملون ألوية جيشه السبعة فقد صاح: “أيها الأبطال، إن من يسكت عن الكفر شريك فيه، والفساد منكر لا بد من القضاء عليه. إن الجيش الذي سنقابله اليوم يحمي من يحتقر أبا بكر وعمر وأم المؤمنين عائشة رضي الله عنهم. لقد سكنت الفتنة قلوبهم وكيانهم، فأصبحت دماؤهم مباحة، فكم أريق من دماء إخوانكم الطاهرة نتيجة دعم المماليك للصفويين! اليوم يوم إثبات الشجعان شجاعتهم، فالسعادة لنا في دار الآخرة إن سقطنا شهداء، والدولة لنا في الدنيا إن انتصرنا على الأعداء. سبحان الذي سخر لنا هذا. اضربوا في سبيل الله أيها الشجعان، ولا تتوقفوا”.

اصطف الجيشان على شكل هلال بمقتضى استراتيجية الحرب التركية القديمة، فبدأت المعركة بتقدم قوات المماليك، وحسب خطة السلطان قانصوه، فكان سيتم شن هجمات وهمية على جناحي العدو، ثم يتم التراجع فجأة، لتحريك قوات الوسط، وبذلك يتم قطع الاتصال بين جناحي العدو فيقومان بملاحقة القوات المُهاجمة والمُنسحبة، وعندها يتم شن هجوم مباغت على المركز حيث تتواجد وحدات المدفعية والبنادق العثمانية.

لكن خاير بك قائد الجناح الأيسر المملوكي لم يتبع الخطة الأساسية، ووقع ما خشيه السلطان قانصوه، فقام بهجوم قوي على الجناح العثماني الأيمن فأجبره على التراجع، لكن سليم الأول حرك وحدات البنادق من الوسط إلى الجناح الأيمن واستطاع أن يحّد من سرعة هجومه منذ اللحظة الأولى. 

في هذه الأثناء وقعت حادثة في الجناح الأيمن من الجيش المملوكي لم تكن في الحسبان, فقد تمّت إصابة نائب دمشق صباي برصاصة وسقط عن فرسه، وأصبح في لحظة لقمة سائغة للعدو، والأسوأ من ذلك، أنه فقد حصانه، وبينما كان ينظر حوله يائساً أحيط به من قبل جنديين من جنود الفلاحين، فطعن بالرماح من صدره ومن بين كتفيه. فهرع إليه مساعده بلبك يشق الصفوف على حصانه وهو يلوح بالسيف يمنة ويسرة، يقوده بمهارة كبيرة، فبدا أن اللحاق به، والإطاحة به مستحيلا. فلما وقف عند صباي وقفز عن حصانه، قال صباي قوله المشهور: “إن الإنسان لا يتألم عند الموت يا بلبك، لكنه يشعر بانقطاع النفس، واضمحلال القوة، ليت هذا لم يكن”.

لما رأى السلطان الغوري انهيار خطته  في زمن قصير، دفع بكامل فرسان الوسط إلى الهجوم، لكنه أدرك جهله لمدى المدافع العثمانية التي وصلت رماياتها إلى مسافات بعيدة، واستطاع رماة المدفعية تسديد رميات متتابعة، محققين إصابات لا تصدق. 

فتم حصاد فرسان المماليك كما يحصد المنجل الزرع، فاضطروا تحت تأثير هذه القوة النارية الشرسة إلى الإنسحاب نحو الطرفين ومحاولة لم الشمل من خلال رفع الرايات، إلا أن حملة البنادق اصطادوهم بنيرانهم،  فأجبروهم على التراجع مجدداً.

في تلك اللحظة أدرك السلطان غوري مدى فشل خطة الهجوم الشامل، فكان عليه أن يستجمع قواه ويقاتل باستراتيجية جديدة، إلّا أنَّ قلب السلطان العجوز لم يكن قوياً لتحمل الهزيمة النكراء، فأحس بضيق في صدره وانقطاع في نفسه، وأحس بتراخي عضلاته القوية، وزاغ بصره، ولم يطل الأمر حتى سقط عن حصانه، وكانت تلك اللحظة بداية الهزيمة للجيش المملوكي الذي لم يذق طعم الهزيمة من قبل قّط.

أسباب انتصار العثمانيين 

من أهم الأسباب الّتي أدّت إلى هزيمة المماليك وانتصار العثمانيّين وعلو نجمهم نذكر:

١- التّفوق العسكري للعثمانيين: عدم تطوير المماليك لأسلحتهم وفنونهم القتالية، فبينما كان المماليك يعتمدون على نظام الفروسية الذي كان سائدا في العصور الوسطى، اعتمد العثمانيون على الأسلحة النارية وبشكل خاص المدافع. بالإضافة إلى الفارق العددي الكبير بين القوتين.

٢- معنويات الجيش العثماني العالية وتربيته الجهادية الرفيعة واقتناعه بأنَّ حربه عادلة على عكس القوات المملوكية التي فقدت تلك الصفات. 

٣- خيانة خاير بيك للمماليك، والذي تواطئ سرًا مع العثمانيين قبل معركة مرج دابق، وقدَّم معلومات هامة عن الأحوال السياسية والعسكرية والإدارية والمالية للدولة المملوكية إلى العثمانيين، ونشره للشائعات بين الصفوف المملوكية من أجل إحباط عزيمة الجنود وتشتيت قواتهم.

نتائج المعركة

عندنا دخل سليم الأول حلب في 28 آب، أعلم الخليفة برغبته في تولي منصب الخلافة، فالمماليك فقدوا صفة حماة مكة والمدينة, لذلك لم يعترض الخليفة على فكرة تولي الخلافة مِمَّن هو أهل لها من الأمم الأخرى، فسَلَّم رموز الخلافة إلى سليم. وفي اليوم الموالي (29 آب 1516م) قبل صلاة الجمعة مباشرة، تم إعلان انتقال الخلافة رسميًا إلى آل عثمان، وأُضيف إلى ألقاب السّلطان سليم الأوّل، لقب خليفة الأرض.

وفي تلك الجمعة، جاء سليم مع أركانه إلى الجامع الكبير بحلب، فتُليت الخطبة باسمه، وعندما وصل الخطيب إلى لقب حاكم الحرمين الشَّريفين مكَّة والمدينة، قاطعه سليم قائلًا: “لا، بل قل: خادم الحرمين الشَّريفين يا سيدي الإمام”، وبقي هذا العنوان لقباً لكل من جاء بعده من السلاطين العثمانيين.

كما أرسل إلى طومان باي خليفة قانصوه الغوري على مصر يعرض عليه حقن الدماء على أن تصبح مصر وغزة تابعتين للدولة العثمانية ويحكمها طومان باي باسمها ويدفع مبلغًا ماليًا كلّ سنة.

ولكّن المماليك لم يكتفوا بالرَّفض بل قتلوا رسول سليم، فصمَّم السلطان سليم على الحرب، فالتقى بالمماليك في غزّة والريدانيّة وكان النصر حليفه مجددًا، وبذلك صارت كل من مصر والشام والحجاز واليمن تحت حكم الدَّولة العثمانية. وتم تنصيب خاير بك واليًا على مصر بعد ازاحة طومان باي، واستمرت فترة ولايته مدة أربع سنوات.

المصادر

١-“تاريخ دولة المماليك في مصر” لويليام موير.

٢-“رجال مرج دابق” لصلاح عيسى. 

٣-“دولة المماليك، البداية والنهاية”، للدكتور إناس حسنى البهجي.

٤-“موسوعة التاريخ الإسلامي: العصر المملوكي” للدكتور مفيد الزيدي.

٥-“السلطان سليم خان الأول” لأوقاي ترياقي أوغلو.

٦-“سلاطين الدولة العثمانية، عوامل النهوض وأسباب السقوط” للدكتور ابراهيم حسنين.