من هو السلطان بايزيد الثاني

من هو السلطان بايزيد الثاني

نشأته

بايزيد خان الثاني بن مُحمَّد بن مُراد العثماني، ثامن سلاطين آل عُثمان، وسادس من تلقَّب بِلقب سُلطان بينهم، وثاني من يحمل لقب “قيصر الروم” من الحُكَّام المُسلمين عامةً والسلاطين العُثمانيين خاصّةً، بعد والده السلطان محمد الفاتح. يلقبه البعض بـ بايزيد الوليّ. ولد سنة (851هـ/1447م) ببلدة ديموتيقة. وهو بِكر أولاد مُحمَّد الفاتح من زوجته أمينة قلبهار خاتون.

تم إرساله ليحكم أماسيا عندما كان لا يزال صبيا ذو سبع سنوات، فتمرَّس بالحكم منذ نعومة أظافره، وكان محاطًا بكبار المعلمين آنذاك كالشيخ محيي الدين محمد الإسكليبي، تعلم تحت اشرافهم العلوم الإدارية  والسياسية اللازمة للحكم، بالاضافة إلى الرياضيات والعلوم والطب والأدب والتاريخ. عاش في أماسيا لمدة 27 عامًا حتى أصبح سلطانًا.

سطع نجم ولي العهد، بايزيد الثاني، عندما شارك في حملة ضد الأمير “أوزون حسن” سنة 878 للهجرة، والذي سيطرت إمارته التركمانية على شرق الأناضول وأذربيجان. انتهت الحملة بنصر ساحق للدولة العثمانية.

عائلته 

زوجاته

شيرين خاتون، حسني شاه خاتون، بلبل خاتون، نقار خاتون، قلرُخ خاتون، عائشة قلبهار خاتون، فَرَخشاد مُحترمة خاتون

أبناءه

عبد الله، شاهنشاه، أحمد، علمشاه، كوركوت، سليم، محمود، محمد

حسب المصادر التاريخية فإن كل أولاد السلطان بايزيد ماتوا في صغرهم، وبقي ثلاثة منهم فقط، هم: أحمد وكوركوت وسليم.

بناته

خديجة عين شاه خاتون، عائشة خاتون، خوندي خاتون

كما تذكر بعض الروايات الضعيفة وجود بنات أخريات للسلطان.

توليه الحكم وصراعه مع أخيه 

توفي السلطان محمد الفاتح سنة 1481م، تاركًا وراءه ولدين، أكبرهما كان بايزيد الذي حكم أماسيا وثانيهما جم الذي كان حاكمًا على بلاد القرمان. تم إبقاء خبر وفاة السلطان محمد طي الكتمان من قبل الصدر الأعظم محمد باشا القرماني، حيث أنه كان بانتظار وصول الابن الأصغر، جم، قبل أخيه الأكبر، إذ كان يفضله على أخيه.

وما إن وصل خبر وفاة الفاتح للإنكشارية وعلمهم بإجراءات محمد باشا، حتى أعلنوا التمرد وقتلوا الصدر الأعظم وعينوا مكانه اسحاق باشا، وقد نصَّب الأخير كوركوت بن بايزيد نائبًا عامًا عن والده إلى حين وصوله.

وصل بايزيد إلى العاصمة بعد مسيرة 9 أيام، وتولى مقاليد الحكم، وأنعم على الإنكشارية، فأضحت عادة الإنعام هذه سنةً لكل سلطان تولى الحكم بعده، إلى أن أبطلها السلطان عبد الحميد الأول.

اتصف السلطان بايزيد الثاني بكونه وديعًا مسالمًا، فقد رغب بأن يخلص المنطقة من تيار الحروب الجارف الذي لفَّها في القرن الخامس عشر. إلَّا أن سياسات الدولة أجبرته على التخلي عن مبادئه واللجوء إلى الميدان العسكري. فكانت أُولى حروبه داخليةً مع أخيه جم، الذي تصارع معه حول العرش.

فبعد سماعه لخبر موت والده، سار جم نحو بورصة فدخلها عنوة، وهزم الإنكشاريين، ثم أرسل لأخيه يعرض عليه الصلح بشرط اقتسام السلطة فيما بينهما، فيحكم هو الولايات الآسيوية، ويحكم بايزيد الولايات الأوروبية.

لكن بايزيد لم يكتف بالرفض فقط، بل سار بجيشه نحو أخيه، وهزمه شر هزيمة بمدينة (يني شهر) سنة 1481م، وطارده حتى حدود دولة المماليك.

استضاف السلطان المملوكي “قايتباي” الأمير جم لمدة سنة، ثم عاد الأخير إلى آسيا ليحرض الأمراء على أخيه، فاتصل بقاسم بك، آخر الأمراء القرمانيين، ووعده بإعادة إحياء الإمارة القرمانية إذا ساعده في القضاء على أخيه. وافق قاسم على التعاون مع جم، فحاصرا مدينة قونية إلا أنهما فشلا في اقتحامها.

بعد فشله الذريع، حاول توطيد علاقته مع أخيه مجددا، إلا أن بايزيد ظل يصدّه. الأمر الذي دفع جم بطلب العون من فرسان القديس يوحنا في رودس، إلا أنهم كانوا أضعف من أن يتحدَّوا الدَّولة العثمانية، فاستضافوا جم عندهم.

أرسل السلطان بايزيد لقادة الفرسان يطلب منهم الإبقاء على جم كرهينة عندهم مقابل تخصيص مبلغ سنوي لهم، والتعهد بعدم التعرض للجزيرة. عندما علمت بعض الدولة الأوروبية المعادية للدولة العثمانية بذلك حاولت استغلال النزاعات الداخلية القائمة، وطلبت من الفرسان تسليمهم الأمير جم، لكن الفرسان رفضوا.

وفي سنة 1489م، تعرض الفرسان لضغوطات شديدة من قبل الدّول المعادية للعثمانيين، وكانت نتيجة ذلك تسليمهم جم للبابا إِنوسنت الثامن كحل وسط. تعهّد البابا للسلطان بايزيد بالاِحتفاظ بأخيه مقابل ما كان يدفعه للفرسان. إلَّا أن البابا إنوسنت الثامن توفي سنة 1492م، فخلفه البابا اسكندر بورجيا، الذي عرض على بايزيد التخلص من أخيه جم مقابل مبلغ مالي.

في تلك الأثناء، أراد ملك فرنسا شارل الثامن الاِستيلاء على إسطنبول، ولتحقيق ذلك، كان يتوجَّب عليه المرور من أراضي جمهورية البندقية والأراضي الألبانية، فأرسل من يُمهِّد الطريق عبر إثارة الأفكار ضدّ الدولة العثمانية، إلَّا أنَّ حاكم البندقية خشي من قوة فرنسا المتزايدة فأرسل إلى السلطان بايزيد يُعلمه بنيّة تقدم الجيوش الفرنسية نحو بلاده.

في غضون ذلك، كانت القوات الفرنسية قد وصلت إلى روما وحاصرتها، وأجبرت البابا على تسليم جم، إلا أن البابا قام بتسميم الأمير قبل تسليمه، فتُوفي الأخير في مدينة نابولي، بإيطاليا، سنة 1495م، ثم نُقل جثمانه إلى بلاد العثمانيين وتمَّ دفنه في بورصة.

موقفه من دولة المماليك

خيّم السلم على العلاقات العثمانيّة والمماليك لما يقارب القرن، لكن لم يلبث الوضع أن تغيّر خلال عهد السّلطان بايزيد الثاني.

بداية الأمر كانت بتغاضي المماليك عن شكاوى الدولة العثمانية التي رُفعت للقاهرة، حول التَّعدي على الحُجَّاج العُثمانيِّين. فطلب الدِيوان الهمايوني، السماح للجنود العثمانيِّين بمرافقة الحجاج لحمايتهم، إلَّا أنَّ طلبه رُفِض.

ومن الجدير بالذكر، أنّ السلطان قايتباي رفض كذلك تدخل السلطان بايزيد في إصلاح القنوات المائيّة في مكَّة المكرَّمة، بعد شُحِّ الأمطار وجفاف الآبار الّذي أوقع ضررًا كبيرا بالمنطقة.

أضِف إلى ذلك، خشية المماليك من قوة وتفشي العثمانيِّين المتزايد. إذ تزايدت شكوكهم حول رغبة العثمانيّين بالسَّيطرة على الطرق التجارية الخاصة بتجارة التوابل، والّتي كانت تتقاطع بالحدود العثمانية-المملوكية.

وما زاد في تشقق العلاقات بين الدولتين، هو رفض قايتباي تسليم والدة جم شيشك خاتون وابنتيه، للسلطان بايزيد الذي طالب بعودتهما للديار العثمانية، بعد إقامتهم بالقاهرة منذ فرار جم إليها.

شكَّلت الأسباب الفارطُ ذِكرها دافعًا للسلطان بايزيد ليتخذ موقفًا معاديًا للمماليك، فحصلت العديد من المناوشات العسكرية بين الطرفين. إلّا أن كليهما حاول بجهد عدم تضخيم الأمور إلى حرب فعلية شاملة.

اِنتهت النزاعات بينهما بعد إرسال سلطان تونس، يحيى الثالث الحفصي طلبًا بوقف القتال وإعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه في السابق، إذ أنَّ الصراعات بين قادة الإسلام ستُشكل نقطة ضعف لهم أمام القوات المسيحيّة التي قد تستغل الوضع.

سقوط الأندلس ومساعدته للمسلمين واليهود الهاربين

في سنة (884هـ/ 1479م) تحالفت كل من مملكة قشتالة وأرغون بقيادة الملكين الكاثوليكيّين فرديناند الثاني الأرغوني وزوجته إيزابيلَّا القشتاليَّة، من أجل اِقتلاع كُلِّ الجذور الإسلاميِّة في شبه الجزيرة الأيبيريَّة وإِلحاق غرناطة بمملكة قشتالة.

تمَّت مهاجمة وتخريب العديد من الحصون والمدن الأندلسيّة. وتمَّ أسر “أبو عبد الله محمد الثاني عشر”، حاكم غرناطة، وأُطلِق سراحه لاحقًا بعد توقيعه لاِتفاق في صالح قشتالة. حكم عمه “محمد بن سعد الزغل” المدينة خلال فترة أسره، لكنّ الأمور تطورت إلى حربٍ بينهما، مسببةً في اِنقسامات بين القيادات والزعامات داخل غرناطة.

وفي سنة 892هـ، تَمَّ حِصار مالقة من قبل القشتاليين. ولم يقدر أميرها مُحمَّد أن يُنجدها بقواته، مَخافَةَ غدر اِبن أخيه له. فقرر الإستغاثة بالقادة المسلمين. فبعث برُسل إلى كل من السُلطان المملوكي قايتباي، والسُلطان العثماني بايزيد الثاني.

شكَّلت المسافة الطويلة عائقًا للرسل الأندلسيّين، فحالت دون وصولهم إلى قادة الإسلام في الوقت المُناسب، فسقطت مالقة سنة 1487م، بيد النصارى. ولَّد سُقُوطها الاحتدام والتأثر في كافّة أرجاء ديار الإسلام.

ومن الجدير بالذكر أن القشتاليُّون اعتمدوا على استمرارية النزاعات بين العثمانيين والمملوكيين لتشتيت انتباههم عن الحرب القائمة بالأندلس، لكن ما إن وصلهم نبأ انعقاد الصُّلح بين الدولتين، حتّى أُصيبوا بالاِرتباك، وقرروا الانتظار حتَّى تتَّضِح الأمور ويتبين لهم موقف الدول الإسلاميّة.

لم يَتيسَّر للمماليك إِغاثة الأندلس كما يجب، لاِنشغالِهم بشؤونِهم الداخلية وخشيتهم من معاودة هجوم العثمانيين لحدودهم. لكن رغم ذلك، حاول قايتباي مساعدتهم بِطريقة دبلوماسيَّة، فأرسل رئيس دير الرُهبان الفرنسيسكان في بيت المقدس إلى البابا إنوسنت الثامن وفرديناند الأوَّل ملك نابولي، وإلى الملكين الكاثوليكيين.

عاتب في رسائله الملكين الكاثوليكينن على صنيعتهم بأبناء دينه، وطالبهما بوقف القتال، وأن يتدخَّل في ذلك البابا وملك نابولي، وإلَّا فإنَّهُ سيبطش بكبار الكهنة في بيت المقدس، ويقوم بتحطيم قبر المسيح، وجميع الكنائس والآثار المسيحيَّة المُقدَّسة، ويَمنع دُخُول المسيحيين كافة إلى بيت المقدس.

لم يُعِر الملكان الكاثوليكيَّان اهتمامًا لتهديدات السُلطان المملوكي، ولا وجود لمصادر تذكر أنَّ السُلطان قايتباي قد نفَّذ وعيده، فيُعتقد أنَّهُ انشغل باِضطرابات دولته الداخليَّة، وتوقّفت محاولة إنقاذه للأندلُس عند هذا الحد.

أما في إسلامبول، فعندما عَرض الرسل على بايزيد وضع الأندلس الأليم، تأثَّر أيَّم تأثر، وأمر بإرسال أُسطُولٍ عُثمانيٍّ إلى الحوض الغربي لِلبحر المُتوسِّط على الفور، وتمَّ تعيين الأدمِيرال البحريّ الشَّهير “كمال ريِّس”، قائدا له، فانطلق بقواته نحو قشتالة، لِتكون بذلك الحملة البحريَّة العُثمانيَّة الأُولى فِي الحوض الغربي للبحرِ المُتوسِّط.

أثناء إِبحاره، قام بقصف جميع الجُزُر والموانئ التابعة لأرغون وقشتالة، واستطاع السيطرة على ميناء مالقة وقام بإحراقه عند انسحابه.

لم يُضعِف هذا العرض العسكري الشرس عزيمة الملكين الكاثوليكيَّين، فقاما بتشديد الحصار على غرناطة حتَّى اِستسلم الأمير “أبو عبد الله”، وسلَّم البلد لهم سنة 897 للهجرة.

تذكر بعض المصادر التاريخية أنه بعد سُقُوط غرناطة مباشرة، انتشر آلاف المسلمين على السواحل الأندلُسيَّة هربًا من الجُيُوش المسيحيَّة، ولم يحل بينهم وبين الهلاك والفناء سوى مدافع الأُسطُول العُثماني، فسارع القائد “كمال ريِّس” إلى إعانتهم فحملهم في سُفُنه إلى المغربين الأقصى والأوسط.

بعد فترة قصيرة من السيطرة على غرناطة، حاول الملكان الكاثوليكيان إرغام اليهود والمسلمين الّذين بقوا في المنطقة على اِعتناق الديانة المسيحيّة الكاثوليكيّة، وأجبروا كُلَّ من رفض ذلك على مغادرة البلاد.

فعاد “كمال ريِّس” وأنقذ اليهود النازحين، وحمل معهم المزيد من المُسلمين أيضا، وأبحر بهم إلى إسلامبول. كان السُلطان بايزيد قد أرسل أمرًا إلى كافة وُلاة البلدان العثمانيّة، بوجوب  احسان استقبال اللّاجئين المُسلمين واليهود، ومعاملتهم باِحترام ومودة، ومنحهم كُلَّ ما يحتاجونه من تسهيلات.

ومن الجدير بالذِّكر، أنَّ البحَّار العثماني الشَّهير عرُّوج بربروس ساهم بشكلٍ كبير في إنقاذ المسلمين الأندلسيِّين من حملات الإِبادة الإسبانيِّة، وأعانه فِي ذلك أخوه خَير الدِّين بربروس. تمكَّن الإخوة بربروس من نقل عددٍ هائلٍ من المسلمين إِلى تونس والجزائر.

حرب البندقية (1499-1503)

كانت الجمهورية البندقية على دراية بمَدى سِلميَّة السلطان بايزيد. الأمر الذي دفعها للتَّهاون فيما يخصُّ التَّعامل مع الدَّولة العثمانيّة، فهجمت على بعض الجزر العُثمانية. وكان سُكوت بايزيد عن الأمر نتيجة انشغاله بشؤونه الداخليّة دافعًا للبندقيّة للقيام بالمزيد من التَّعديات. 

إلَّا أنّ السلطان التفت إليها بقوَّة سنة 1499م، فوضع كل الشوؤن الأخرى على جنبٍ ليتفرَّغ لِأمر البندقيّة، فأُشعلت نيران الحرب من جديد بعد مرور 20 سنة من انخمادها.

اِستطاع الأسطول العثماني بقيادة “كمال ريس” من إلحاق هزيمة نكراء بالبنادقة في معركة زونكيو في أغسطس 1499م، والتي تُعرف أيضًا بمعركة سابينزا أو معركة ليبانتو الأولى.

تُعدّ هذه المعركة أولى معارك التاريخ الّتي تستخدم فيها المدفعيَّة طويلة المدى، كما سمحت هذه المعركة بتحقيق السّيادة العثمانيّة على خليج كورنث الاستراتيجي. جابت شهرة الأسطول العثماني بعد ذلك الآفاق بعد تحطيمه أحد أقوى الأساطيل في العالم آنذاك، الأسطول البندقي.

لم يركُن البنادقة إلى الهدوء، فهاجموا جزيرة كفالونيا وسيطروا عليها، وقاموا بحرق بعض السفن العثمانيّة.

تمكنت القوات العثمانية لاحقًا من السيطرة على مدينة ليبانتو، أحد أهم المدن بالمنطقة، كما هاجمت في السنة ذاتها الأملاك البندقية في إقليم دالماسيا الكرواتي، مما زاد الجمهورية البندقية وهنا على وهن.

وفي سنة 1500م، سقطت في يد الدولة العثمانية مدينتي مودون وكوروني، أعظم مدينتين للبنادقة في الشرق، تطلق عليهما تسمية: “عينا الجمهورية”، وبفضل هذا النصر، أضحت الدولة العثمانية سيِّدة اليونان لأول مرة في تاريخها.

أُنهكت قوات البندقية ولم ترى في متابعة قتال العثمانيين من جدوى، فقد أضحى النصر بعيد المنال، لذلك تمَّ توقيع معاهدة صلح كانت في مُجملها لصالح الدولة العثمانيّة.

الاضطرابات الداخلية في أواخر عهده 

في سنينه الأخيرة، اضطربت حياة السلطان بايزيد، بعد عصيان أولاده الثلاثة له، وإشعالهم لنيران الحرب الداخلية فيما بينهم.

كان أحمد محبوبًا لدى الأمراءِ والأعيان، فاصطفاه والده لخِلافته على العرش، في حين كان كوركوت محبًا للآداب والعلوم، ومنشغلًا بالدراسة ومجالسةِ العلماء، ما نَتُجَ عنه نفور الجنودِ منه، أمَّا سليم فكان يميل للحرب، فكسب بذلك دعم وولاء الجنود عامةً والإنكشاريّة خاصةً.

ونظرًا لاِختلاف أهواءِ الإخوة، خشِيَ والدهم من نُشوب صراعٍ بينهم، الأمر الّذي دفعه لتفريقهم. فعيَّن كوركوت واليًا على صاروخان، وأحمد واليًا على أماسيا، وسليم واليًا على طرابزون، كما عيَّن سُليمان بن سليم، واليًا على كافا في بلاد القرم.

لم يرضى سليم بقرار تعيين اِبنه واليًا على كافا، إذْ أنَّ ذلك قد يفتح السَّبيل أمام شقيقه أحمد للوصول للعاصمة دون أيَّة عوائق. فتوجَّه نحو كافا واستقرَّ بها، وطلب من والده تعيينه حاكمًا على إِحدى الولايات الأوروبية، إِلَّا أنَّ والده رفض.

وبعد أن تبيَّنت نوايا سليم في السّيطرة على العرش، حاول أحمد إستعراض قدراته العسكريّة أمام والده وإخوته، فقاد جيشه إلى القسطنطينيّة.

وكردٍ على صنيعة أخيه، سار سليم بجيش أرعن من قبائل التتار إلى بلاد الروملّي، مُجبرًا بذلك والده على تحقيق مطلبه، فعيّنه واليًا على “سمندريه” و”ڤيدن” بالصرب.

أمر السلطانُ بايزيد لاحقًا، بعقد مؤتمر لتنصيب أحد أولاده خليفةً لعرشه، فوقع اختيار الديوان على ابنه أحمد.  

غضب سليم عند سماع القرار السَّالف، فسار بجيشه إلى أدرنة، فسيطر عليها وأعلن نفسه سلطانًا. وكردٍ على ذلك، أرسل والده إليه جيشًا قام بِسحقِ قوات سليم في أغسطس عام 1511م، ففرَّ سليم إلى بلاد القرم. 

كما أرسل بايزيد جيشًا آخر ليُحارب ولده “كوركوت” بآسيا الصغرى، فتمَّت هزيمته هو الآخر. بعدها طلب من أحمد القدوم للقسطنطينيّة ليستلم الحكم.

بعد تنصيب أحمد سلطانًا على الدولة العثمانية، ثارَت جنود الإنكشارية، وطلبوا من بايزيد أن يصفح عن ابنه سليم ويرُدَّه لولاية سمندرية، إذ أنَّهم كانوا يعتقدون بأنَّه أكثر من يستحق الجلوس على العرش.

اِستمرّت الإنكشاريّة في ممارسة الضغط على بايزيد حتَّى صَفح عن اِبنه سليم، وردَّه للسمندرية. حدث أثناء اِنتقاله أن ساندته جنود الإنكشاريّة، فرافقوه إلى العاصمة، واستمرّوا بالاِلحاح على السلطان بايزيد الثاني للتَّنازل له عن السلطة، فقَبِل السلطان رغبتهم مُرغمًا، فسلَّم الحكم لاِبنه سليم الأوّل في نيسان 1512م.

وفاته 

بعد تولي ابنه سليم الأوّل مقاليد الحكم، قرَّر بايزيد أن يعود إلى مسقط رأسه، ويعيش ما تبقَّى له من حياته بعيدًا عن أشغال الناس والدنيا، ويتفرَّغ للعبادة. وعندما أخبر اِبنه سليم بذلك، رفض الأخير بشدة، وطلب من والده البقاء إلى جانبه. لكنَّ بايزيد صد كل مُحاولات ابنه يإقناعه، فانطلق في رحلته.

كان السقم قد فتك بجسد بايزيد، حتى أنه لم يستطع رُكُوب خيله، فنقلوه بواسطة تختروان. وبسبب مرضه، كان يستريح في كُلِّ موقف أيَّام عديدة. وفي يوم 11 ربيع الأوَّل 918هـ (المُوافق ل 26 أيَّار 1512م)، وصل الموكب إلى منطقة  تسمى “سكودلودره”، بالروملّي، حيث اشتدَّ الألم على بايزيد، وتُوفيَ هناك. تمَّ دفنه بجامع بايزيد الثاني بإسطنبول.

المصادر

-“تاريخ الدولة العلية العثمانية” لمحمد فريد بك.

-“تاريخ العثمانيين من قيام الدولة إلى الإنقلاب على الخلافة” لمحمد سهيل طقوش.

-“موسوعة الامبراطورية العثمانية السياسي والعسكري والحضاري” ليلماز اوزتونا.

-“دولة الإسلام في الأندلس” لمحمد عبد الله عنان.

-“بدائع الزهور في وقائع الدهور” لابن إياس.

-“History of the Ottoman Empire and Modern Turkey: Volume 1, Empire of the Gazis: The Rise and Decline of the Ottoman Empire 1280–1808” by Stanford J. Shaw.