الشاه إسماعيل الصفوي

الشاه إسماعيل الصفوي

نشأته وتوليه الحكم

هو إسماعيل بن حيدر بن الجنيد الصفوي، وُلد في رجب 892هـ/يوليو 1487م، يُعتبر مؤسس الدّولة الصفوية الشيعية بإيران. يرجِع نسبه إلى جدّه الأكبر الشّيخ صفي الدين الأردبيلي الذي كان صاحب نفوذ في منطقة أردبيل، حيث استطاع أن يجمع حوله عددًا كبيرًا من العشائر التركمانية حديثة العهد بالإسلام، لا سيما بعد أن إدَّعى أنَّ نسبه يصل إلى الإمام الحسين بن علي -رضي الله عنهما-. 

بعد موته تقلّد ابنه صدر الدين منصب الإرشاد، وبعد وفاته تقلد المنصب الشيخ جنيد الذي ترك مركز أجداده في أردبيل واتجه نحو جنوب سورية، حيث تمكن من جمع العديد من الأتباع هناك.

وعندما شعر بشعبيته المتزايدة خلع العمامة الصوفية ووضع تاج الملك، وبدأ بمهاجمة الأراضي والسّيطرة عليها، فبدأ بمحاربة الأمير خليل “ملك شيروان” إلا أنه قُتِل أثناء المعركة.

خلفه بعد ذلك ابنه حيدر الذي كان متعطشا للانتقام لوالده، إلّا أنّه هو الآخر قُتل في نفس المنطقة بعد 33 سنة.

بعد وفاته، تمَّ أخذ ابنيه إبراهيم وإسماعيل من قبل أتباعه إلى ناحية لاهيجان الواقعة في ولاية جيلان الشمالية، لكي يعيشا بأمان بعيدا عن أعدائهم الذين كانوا يبحثون عنهم من دولة الآق قوينلو.

مكث الأميران الشابان عند الأمير كاركيا الشيعي والي جيلان، إلَّا أنَّه تمَّ قتل إبراهيم بعد أن ترك مخبأه، بينما بقي إسماعيل هناك يتلقَّى تعليمه من قبل الأساتذة الذين قام الأمير بتعيينهم خصيصًا لتربيته وتدريبه، حتَّى أصبح أهلًا للإدارة.

وبعد مرور حوالي 5 سنوات من السكون في الخفاء، اتَّجه إسماعيل وهو في سن 13 سنة رفقة 7 من مناصري والده حيدر إلى أردبيل.

وبعدما استطاع كسب تأييد العديد من القبائل المحاربة مثل استاجلو، شاملو، وافشار، بدأ بالثَّأر لوالده، فقام بزيارة قبور أسلافه في أردبيل، ثمَّ توجَّه إلى شيروان، فتغلب على حاكمها المدعو شيروان شاه، وسار بعد ذلك نحو قبيلة آق قوينلو التركمانيَّة حيث قام بهزيمتهم سنة 907هـ.

وفي مدَّة زمنيَّة لا تتعدَّى السنتين تمكَّن إسماعيل من السيطرة على أذربيجان وقرة باغ وبعضا من آسيا الصغرى، وبعد تنحيته للوند بيك آق قوينلو قام بالجلوس على عرش الملك في إيران.

أسرته 

كان للشَّاه إسماعيل الأوّل أربعة أولاد هم: طهماسب ولي عهده وخليفته، والقاص وسام وبهرام، وخمس بنات هن: خانيش خانم وپريخان خانم ومهين بانو سلطانيم وفرنكيس خانم وزينب خانم.

قيام الدولة الصفوية 

فرض إسماعيل بعد استيلائه على تبريز المذهب الشيعي الإثني عشري، وأعلنه مذهبا وحيدًا إجباريًا على سكانها، وأجبرهم على وضع علامة القزلباش، واضطهد مخالفيه من أهل السنة، وقتل منهم حوالي 20.000، وأمر بإخراج جثث رؤساء الآق قوينلو من القبور وحرقها، وتَوَّجَهُ أتباعه ملكًا على إيران، ولقبوه بأبي المظفر شاه إسماعيل الهادي الوالي وذلك في عام 907هـ/1501م، فضُربت النقود باسمه وكُتب عليها “لا إله الا الله، محمد رسول الله، علي ولي الله” ثمّ كتب اسمه، كما أقام الخطبة باسمه كدلالةٍ على قيام الدولة. 

ويبدو أنَّ إعلان المذهب الشيعي الإثني عشري مذهبا رسميا للدولة في إيران لم يكن في معظمه إلَّا من أجل وضع إطار إداري شرعي للدولة الجديدة. وقد كان التشيع متزايد الانتشار آنذاك، فخشي علماء المذهب من هذا التسارع لأنَّ معظم سكان تبريز وكذلك سكان إيران كانوا من السنة، ولا يدرون شيئا من تعاليم المذهب الشيعي وقد يعارضون هذا التوجه. 

كان موقف الشاه من هذه القضية ثابتا، فهدد كل من يخالف أوامره، ثم أمر الخطباء والمؤذنين بإضافة تشهد الشِّيعة في الآذان: “أشهد أنَّ عليًا وليُّ الله” و “حيَّ على خير العمل”، ولعن الخلفاء الراشدين الثلاثة الأوائل أبا بكر وعمر وعثمان، مع المبالغة في تقديس الأئمة الإثني عشر، فاستسلم الناس لهذا التصميم من جانبه.

وأجرى الشّاه بعد استقراره في تبريز بعض الترتيبات الإداريّة لتسيير أمور البلاد، فعيّن حسين بك الله نائبا له، ومربيه الشّيخ شمس الدّين اللاهيجي حاملًا للأختام، واستقدم الأمير محمد زكريا وزير الآق قوينلو ونصّبه وزيرًا له. 

الامتدادات الصفوية داخل إيران 

بعد عام من قيام الدولة، جهَّز الشّاه إسماعيل الأوَّل جيشًا لمطاردة مراد بن يعقوب بن أوزون حسن حاكم فارس والعراق وآخر أمراء الآق قوينلو، واصطدم به بالقرب من همدان فهزمه، فلاذ أمير الآق قوينلو بالفرار إلى بغداد، وأضحى إقليم فارس ضمن الممتلكات الصفوية، وقد مثَّل هذا الإمتداد أوَّل اختراق صفوي في عمق الهضبة الإيرانية. 

كان على الشَّاه إسماعيل بعد الانتصار على مراد بن يعقوب أن يستكمل سيطرته على الهضبة الإيرانية، ويُثبِّت حكمه فيها تمهيدًا للتوسع في الخارج على حساب جيرانه، فاستولى على شيراز، وفرض على سكانها المذهب الرسمي للدولة، وخشيه أمراء المناطق المجاورة.

كما أمر جان محمد استاجلو المعروف بخان سلطان بالاستيلاء على كرمان، وما إن علم حاكمها محمد بك برناك بمطامع الصفويين حتى فرَّ إلى خراسان محتميا بالسّلطان حسين بايقرا التيموري، وترك بلاده لقمة سائغة أمام الجيوش الصفوية، فدخلتها وضمتها إلى الأملاك الصفوية، لكن حسين بايقرا دخل بعد ذلك في طاعة الشَّاه إسماعيل خشيةً من قسوته وشدَّة بطشه بأعدائه، وكذلك فعل ابنه محمد.

التفت الشَّاه إسماعيل بعد ذلك الى عراق العجم، فخرج من تبريز قاصدًا قاشان، وعين إلياس بك ذو القدر حاكما على فارس، فدانت المدينة له واستولى على قم المدينة المقدّسة لدى الشيعة، وأمضى فيها شتاء عام (909هـ/1503م)، مُسيطرا بذلك على القسم الشمالي لإقليم عراق العجم. 

ويبدو أنّ التوجه المذهبي وقسوة الشّاه في معاملة أعدائه أثارت بعض حكام المقاطعات والمدن، فقد استغل حسين كيا جلاوي حاكم خوار وسمنان وفيروزكوه ودماوند غياب الشاه عن عاصمته تبريز، فهاجمها، وقتل حاكمها إلياس بك، فتصدى له الشّاه في (أوائل عام 910هـ/منتصف عام 1504م) واستعاد المدن بعد معارك ضارية، وتعقَّبه حتى اعتقله، ثمّ قتله، ووضع جثته في قفص، وحملها إلى أصفهان، وأحرقها في ميدان المدينة، وعاد إلى تبريز ليواجه حاكم يزد الذي رفض الاعتراف بسلطته، فاجتاحت القوات الصفوية مدينته، واستولت عليها، وقتلت كثيرا من أهلها. 

نتيجة لهذه الانتصارات العسكرية سيطر الشّاه إسماعيل على إيران الشمالية والجنوبية، وحاز الإمتداد الصفوي على معظم الهضبة الإيرانية.

الاستيلاء على العراق 

بعد أن قضى الشاه إسماعيل على أسرة الآق قوينلو في داخل إيران كان عليه أن يقضي عليها خارج إيران، وقد تركزت الأسرة آنذاك في منطقتين إحداهما العراق بزعامة مراد بن يعقوب والأخرى البستان في الأناضول بقيادة علاء الدولة.

كانت حملة الشاه ضد علاء الدولة من أولى حملاته المهمة خارج إيران، فقد غادرت القوات الصفوية تبريز في عام 912هـ، متوجهة إلى إقليم كردستان الذي يفصل الهضبة الإيرانية عن العراق والأناضول في محاولة للاستيلاء عليها، لكنها فشلت في التغلب على المقاومة الكردية بقيادة صارم بن سيف الدين المكري، غير أنها أخضعت عددا من الأمراء الأكراد، ثم هاجمت مرعش والبستان في العام التالي إثر تحالف مراد بن يعقوب مع علاء الدولة الذين وقفا في وجه امتدادات الشاه.

جرى قتال بين الطرفين انهزم فيه المتحالفان وفرَّا إلى بغداد، واجتاحت القوات الصفوية ديار بكر ودخلتها ثم غادرتها بعد أن عيّن الشّاه عليها محمد خان استاجلو نائبا عنه في حكمها. 

وكنتيجة لسيطرته على البستان أضحت الدولة الصفوية تجاور أكبر القوى الإسلامية آنذاك وهما القوة العثمانية والقوة المملوكية. وكانت إمارة البستان تابعة لدولة المماليك في مصر، كما كان العثمانيون يعدونها من ضمن مجالهم الحيوي ويتنافسون مع المماليك لامتلاكها.  

وحتى لا يثير أيا منهما أرسل سفارة إلى السلطان المملوكي قانصوه الغوري يطمئنه فيها ويبرر عملياته العسكرية في إمارة البستان بأنها وقائية، وكذلك أرسل سفارة إلى السلطان العثماني بايزيد الثاني من أجل الغاية نفسها.

أدرك مراد بن يعقوب حاكم بغداد أهداف الشاه وأنه أعجز من أن يتصدى له بمفرده، فاستنجد بإمارة ذي القدر، إلا أنها كانت تمر بفترة شيخوختها فلم تستطع أن تقدم يد العون. فاتجه عندئذ إلى السلطان قانصوه الذي كان قد أدرك خطورة التوسع الشيعي، إلا أن الأخير وبسبب الظروف السياسية الصعبة التي كان يمر بها لم يستطع التدخل.

استغل الشاه الظروف السابقة وأعد جيشين لاجتياح العراق، الأول بقيادته والثاني بقيادة حسن بك. وما إن علم باريك بك برناك عامل الآق قوينلو على بغداد بزحف القوات الصفوية حتى غادر المدينة، فدخلتها القوات الصفوية دون قتال، وخُطب للشاه على منابرها، وسُكت النقود باسمه.

وأخذ الشاه يصبغ العراق بالصبغة الشيعية، فعمر مزارات الأئمة الشيعية، وزار مشهد الإمام الحسين في كربلاء ومشهد الإمام علي بن أبي طالب في النجف تأكيدا على الالتزام بالمذهب الشيعي. 

نظم الشّاه أحوال العراق، وعين خادم بك واليا عليه، ومنحه لقب الخلفاء، ثم غادره إلى الحويزة الواقعة بين واسط والبصرة، وكانت تحكها أسرة عربية من آل المشعشع، وقد أقلقه أن يدعي حاكمها السّلطان فياض المشعشعي الألوهية في الوقت نفسه الذي تنتسب فيه قبيلته إلى علي بن أبي طالب، فاشتبك معه، وقتله، واستولى على أملاكه وذلك عام 915هـ.

وهكذا تمكن الشّاه الصفوي من فرض سيطرته على بلاد فارس ومعظم بلاد العراق على جثث القتلى، وأنات الجرحى، وفرض على جنوده لباسا يجمع بين لباس الزرادشت ولباس الفرق المبتدعة في أردبيل، حيث يتكون من اثنتي عشر ثنية حمراء، ومنذ ذلك الوقت صار أتباع الصفويين يُعرفون باسم “القزلباش” أي ذوي الرؤوس الحمراء. 

العلاقات الخارجية

العلاقة مع البرتغاليين

كانت البرتغال رائدة الدول الأوروبية التي حاولت أن تستفيد من الطريق البحري الجديد الذي يصل آسيا بأوروبا والبعيد عن الخطر العثماني، وحتى تحكم قبضتها عليه وتغلق الطريق القديم الذي يمر في البحر الأحمر أسست مستعمرات لها في الخليج العربي، وخاصة في جزيرة هرمز عام (921هـ/1515م) ثم احتلت كمبرون وجعلتها مركزا للتجارة مع إيران، وبنت حصونا عديدة في الجزيرة المذكورة والجزر المحيطة بها مثل قشم، وحاولت التقرب من السكان عن طريق بيع البضائع بأسعار زهيدة.

والواقع أن المشكلات التي واجهها الشاه إسماعيل في إيران كانت قد أتاحت للبرتغاليين الفرصة لإنماء تجارتهم في الخليج العربي وسواحل إيران الغربية، ولما حاول التدخل في هرمز وطلب من حاكمها اعطاءه الخراج المتأخر كدليل على تبعيته له لجأ الأخير إلى حاكم الهند البرتغالي البوكرك الذي منعه من ذلك، وأخبر الشاه بأنه لا يحق لأمير هرمز أن يدفع الخراج لملك آخر غير الملك البرتغالي.

وبدا الشاه ضعيفا أمام قوة البرتغاليين الطاغية، فركن إلى الهدوء، وأرسل مبعوثا إلى الهند لعقد اتفاقية تفاهم معهم، في الوقت الذي كان يستعد لمهاجمة البحرين والقطيف، وقد تضمنت الاتفاقية البنود التالية: 

-مرافقة قوة بحرية برتغالية لحملة الشاه على البحرين والقطيف.

-تعاون الدولتين الصفوية والبرتغالية في إخماد حركات التمرد في مكران وبلوجستان، وفي مواجهة العثمانيين.

-صرف الحكومة الصفوية النظر عن المطالبة بجزيرة هرمز والاعتراف بتبعيتها للبرتغال.

العلاقة مع البندقية

شكل فتح القسطنطينية والقرم واليونان على يد السلطان محمد الفاتح العثماني ضربة قاسية لتجارة البندقية مع بلدان البحر الأسود، إلة جانب تحكم العثمانيّين بالمضائق والطرق التجارية، فأقام البنادقة علاقات ودية مع أوزون حسن زعيم أسرة الآق قوينلو، ونسّقت معه لحرب العثمانيّين، ووعدت بامداده بالسلاح الذي كان بحاجة إليه، إلَّا أنَّها فشلت في تحقيق أهدافها، واضطرت إلى عقد اتفاقية سلام مع العثمانيّين عام (883هـ/1478م) بعد حرب استمرت 16 عاما، ممَّا أدَّى إلى فتور العلاقة بينها وبين إيران.

وعندما اعتلى الشّاه إسماعيل العرش الصفوي في إيران، حاول العمل على إحياء العلاقة الجيدة مع البندقية بهدف الوقوف في وجه العثمانيّين، فأجرى مباحثات مع البنادقة من أجل ذلك، وعرض عليهم أن تهاجم البندقية الأراضي العثمانية من الغرب، في الوقت الذي يهاجمها هو من الشرق، على أن تستردَّ البندقية قواعدها التي فقدتها في اليونان وجزر الأرخبيل، غير أنَّ البندقيّة لم تتجاوب مع مشروع الشَّاه لأنَّها كانت منهمكة في نزاع البابويّة وحلفائها، كما كانت ترتبط مع العثمانيّين بمعاهدة ليس من مصلحتها أن تنقضها، فأعلمت الشَّاه اسماعيل أنَّها لم تنس صداقتها القديمة مع إيران، ولكنِّها لا تستطيع التعهد بالتزامات جديدة. 

العلاقة مع إسبانيا

يعتبر فقدان الدولة الصفوية لولاياتها الغربية مع العثمانيين في أيام السلطان سليم الأول ضربة سياسية وعسكرية قاسية للشّاه إسماعيل، وحتى يقوي موقفه التفت إلى الدول الأوروبية المعادية للعثمانيين للتحالف معها ضد هؤلاء.

وعندما فشلت محاولاته للتحالف مع البندقية، توجَّه إلى المجر وإسبانيا، فأرسل لكل من لويس الثاني ملك المجر وشارل الخامس ملك إسبانيا، طالبًا منهما عقد معاهدة صداقة وتعاون ضدّ العثمانيِّين.

ويبدو أنَّ شارل الخامس قد وافق على طلبه وأرسل برسالة جوابيّة، ولكن عند وصول المبعوث الإسباني كان الشَّاه إسماعيل قد تُوفي.

والواقع أنَّ اتصالات الشَّاه إسماعيل مع الدول الأوروبيّة بشكل عام لم تؤد إلى نتيجة إيجابية بسبب صعوبة المواصلات من جهة، ولأنَّ سفراء الطرفين غالبًا ما كانوا يقعون أسرى في أيدي العثمانيّين، أو يُقتلون من ناحية اخرى.

العلاقة مع العثمانيين

ساد الهدوء النسبي العلاقات العثمانيّة الصفوية في بداية تشكل الدولة الصفوية ولا سيما في عهد السلطان بايزيد الثاني، ولمَّا اشتدَّت قوة الصفويِّين خشيَ العثمانيُّون من تأثير ذلك في رعاياهم، وخصوصًا أنً العديد منهم كانوا ينتمو للقبائل التركمانية التي اعتنقت الدعوية الصفوية الشيعية، وكانوا يعبرون الحدود بين الدولتين للقاء المرشد الكامل للطريقة الصفوية الشّاه إسماعيل.

وعندما وصلت للسلطان بايزيد الثاني أنباء عن الجرائم الشنيعة التي يرتكبها الشاه في حق أصحاب السنة، كتب إليه أن يكف عن ذلك، وأن يلتزم بالهدوء والرزانة.

استمرَّت العلاقات بينهما بالتأزُّم حتَّى استوجب الأمر التدخل العسكري، فالتقى السُّلطان سليم الأوَّل بن بايزيد الثاني والشَّاه إسماعيل في جالديران (2 رجب 920هـ) وانتهت المعركة بهزيمة الشّاه إسماعيل، ودخل السّلطان سليم الأوّل تبريز عاصمة الصفويين في (15 رجب 920هـ) وبعد هذه الهزيمة أصيب الشاه إسماعيل بحزنٍ كبيرٍ، وانصرف عن مباشرة الأعمال الحربية بنفسه، وتركها لكبار قادته من القزلباش.

وفاة الشاه اسماعيل 

تركت هزيمة جالديران في نفس الشَّاه إسماعيل أثرًا كبيرًا، خاصةً أنَّه لم يهزم في معركةٍ من قبل قط، ولم تعن خسارته المعركة فقدانه لبعض الأراضي فقط، بل أنَّ قداسته الّتي لا تقهر قد اِهتزَّت بنظر أتباعه على الأقل أيضًا، لذلك نحا نحو العزلة، وصار لا يخلع عمامته السّوداء من على رأسه، وأدمن على شرب الخمر، ولم يقم بعمل يستحق الذِّكر، فامتنع عن قمع المرتدين عن المذهب الشيعي، وعهد إلى رؤساء القزلباش بإخماد الفتن التي كانت تندلع بين الفينة والأخرة، وقد أتاح هذا المنحى السلوكي للعثمانيِّين ضمّ ديار بكر، وساعد الأوزبك على إخضاع بلخ وقندهار.  

وقضى سنوات حكمه الأخيرة، وهي عشر، في التنقل والصيد وإدارة شؤون الحكم، وفي عام (930هـ/1524م) رحل إلى ناحية شروان، ثمَّ توجَّه إلى شكى، وتقول بعض المصادر أنَّه مرض بالسّل هناك، فقرَّر العودة إلى تبريز عن طريق أردبيل، إلَّا أنه تُوفي أثناء انتقاله في صائن كدوكي قرب مدينة سراب في أذربيجان في 23 أيار، عن عمر يناهز 37 عاما، حكم منها 24 عامًا. تمَّ نقل جثمانه إلى أردبيل، ودُفن فيها بجوار أجداده. 

جرائمه

تعددت جرائم الشاه إسماعيل الصفوي وطالت العديد من المدن، فقد تميز بكونه وحشيا، متعطشا للدماء، لا يعرف الرحمة، فنذكر منها:

-مجازر شكى ومذابح الشيروانيين، والتنكيل بجثة شيخهم فرخ يسار وحرقها، إلى جانب بناء منارة في المدينة من جماجم القتلى.

-الهجوم على قلعة باكو وارتكاب مذابح بشعة في حق سكان القلعة وإحراق جثثهم، وقتل 18.000 من جنود الأمير عثمان آق قويونلو.

-إرتكاب أعمال وحشية في بغداد سنة 914 هـ، ولعل أشنع هذه الأعمال والتي علقت في الأذهان هي إهانة عظام أحد أكبر أئمة أهل السنة الإمام أبو حنيفة النعمان، فقد أمر بإخراج عظامه من قبره وحرقها.

-إخراج أجساد وعظام السلطان يعقوب والكثيرون من أتباعه الذين شاركوا في قتال والده من قبورهم وإحراقها.

-مذبحة مرو سنة 916هـ التي قُتل فيها أكثر من 11.000 شخص بعد حربه مع “شيبك خان التركماني” الذي تم تقطيعه وأكله من قبل جنود القزلباش أمام الملأ.

-تذكر المصادر بأن الشاه إسماعيل لم يكن يتورع عن قتل العلماء والتنكيل بهم، وكان يطلب منهم قول “أشهد أن عليًا ولي الله”، فمن قالها يُطلق سراحه، ومن رفض فتقطع رأسه، أو يُحرق.

ولعل أخطر ما ارتكبه الشاه إسماعيل هو تقسيم الأمة الإسلامية الموحدة، وإنهاك الدولة العثمانية في معارك جانبية ألهتهم عن نشر الدين الإسلامي، حتى أن المستشرق النمساوي فرناندو قال: “لولا الصفويون في إيران؛ لكنّا اليوم في بلجيكا وفرنسا نقرأ القرآن كالجزائريين”، حيث أشار أن الصفويين الشيعة قاموا بعرقلة تقدم الإسلام إلى كثير من بلاد الغرب.

كانت هذه المجازر والجرائم الشنيعة الدافع الرئيسي لتدخل الدولة العثمانية بزعامة السلطان سليم، فقضى على الشاه، وخلّص مسلمي السنة من بطش هذا الحاكم الدموي.

المصادر

-“السياسة والدين في مرحلة تأسيس الدولة الصفوية” لعلي إبراهيم درويش.

-“تاريخ الدولة الصفوية في إيران” للدكتور محمد سهيل طقوش.

-“الصراع العثماني الصفوي ونتائجه السياسية والعسكرية” لأبو وردة عبد الوهاب عطية السعدني.

-“الصراع العثماني الصفوي وآثاره في الشيعية في شمال بلاد الشام” لمحمد جمال باروت.