1. السلطان العثماني
كان السلطان على رأس الإدارة العثمانية، فقد حكم الدولة حكمًا مطلقًا، فلا يتم تنفيذ أي قانون دون موافقة السلطان عليه، وكان يطلق على الأمر السّلطاني اسم “الفرمان”. وكان السلطان يمتلك طغراء خاصة به تختلف عن تلك الخاصة بالسلاطين السابقين، وهي عبارة عن تخطيطٌ لاسم السُلطان بواسطة حروف مُتشابكة. كانت تستخدم لختم الرسائل والوثائق الرسمية والفرمانات، كما كانت تظهر على العملات المعدنية أيضا.
في البداية، كان يتم تصريف أمور الدولة في مدينة بورصة بالأناضول، ثم نُقل مركز الحكم إلى أدرنة في الروملي، ثم أخيرا إلى القسطنطينية (اسطنبول حاليا) عند فتحها عام 1453م من قبل محمد الفاتح.
وبصفته خليفة المسلمين، فقد كانت من مسؤوليات السلطان العثماني العناية بالمسلمين وشؤونهم، والحرص على نشر الدعوة الإسلامية وتطبيق شرائع الدين. كما كان السلطان يقود الجيوش العثمانية في المعارك ضد الأعداء، فكان في مقدمة الجيش منذ بدء الإمارة العثمانية حتى بداية فترة ضعف الدولة العثمانية. وفي فترة الضعف لم يكن السلطان يسير إلى المعارك على رأس جيشه بل كان يظل في القصر، وكثيرا ما كان يترك تسيير شؤون الدولة في فترة ضعفها إلى كبار الموظفين كالصدر الأعظم أو الكيزلر آغا، وكان ينصرف إلى حياة القصر الخاصة (حياة الحريم). وبسبب ضعف السلاطين أخذ الجيش الإنكشاري يفرض سلطته أحيانا على السلطان الذي أصبح موقفه ضعيفا أمامهم.
كان السلطان يعين قبل وفاته وريثا للعرش من بين أحد أبنائه، واستمرت هذه الحالة طيلة فترة حكم العثمانيين، إلا في بعض الأحيان كان الأخ يتبع أخاه في الحكم، كما حصل عندما توفي السلطان أحمد الأول فخلفه أخوه مصطفى الأوّل لأنّ أبناءه كانوا صغاراً. ثمّ صدر فرمان سلطاني فيما بعد جاء فيه أن تُسلم مقاليد الحكم إلى أكبر الأفراد سنًا في أسرة عثمان من الذكور، وهذا الفرمان قلّل من نصيب الابن في تولّي السلطنة بعد أبيه.
نستطيع تقسيم فترة سلاطين الدولة العثمانية إلى قسمين، القسم الأول: وهم عشرة سلاطين حكموا 267 سنة تقريبا (1299 – 1566م)، وقامت على سواعدهم عظمة الدولة من حيث الفتوحات في أوروبا وآسيا وأفريقيا. والقسم الثاني: وهم 26 سلطانا حكموا 357 سنة تقريبا (1566 – 1922م). وفي عهدهم توقفت الفتوحات وبدأ التراجع والتقهقر التدريجي حتى سقطت الدولة العثمانية. وكان آخر السلاطين هو السلطان محمد السادس الذي أخرج لاحقا من اسطنبول إلى مالطا، واختار المجلس الوطني العثماني أميرا عثمانيا هو عبد المجيد بن عبد العزيز ليكون خليفة للمسلمين لا سلطانا، حتى ألغيت الخلافة فيما بعد.
2. الصدر الأعظم
أو الوزير الأعظم، وهو بمثابة منصب رئيس الوزراء في وقتنا الحالي. وقد بدأ السلاطين العثمانيون بتعيين وزراء لهم بعد أن توسعت الدولة العثمانية نتيجة الفتوحات في الأناضول في آسيا الصغرى، والبلقان في أوروبا. كان هذا المنصب في بداية الدولة العثمانية عبارة عن تقديم المشورة للسلطان من قبل الشخص الذي يحظى بهذا المنصب، ثم أصبح الصدر الأعظم يتولى أموراً هامة يعينه السلطان لتنفيذها مثل قيادة الجيوش للمعارك وتنظيم أمورهم، حتَّى أنَّ السُّلطان كان يسلمه خاتمه للتوقيع نيابة عنه، ولم يكن ذلك إلَّا في فترة ضعف الدَّولة العثمانية، ولكنَّ الوزير الأعظم كان يعيد الخاتم السّلطاني عند عزله من منصبه.
عظم شأن منصب الصّدر الأعظم منذ أن أصدر السّلطان محمد الفّاتح “القانون نامه” والذي حدد بموجبه وظيفة كل إداريّ في الدَّولة وأعطى الوزير الأعظم أهمية بالغة حتّى جعله وصيًا فعليًا على الدولة العثمانيّة. وقد كان السلطان سليمان القانوني يُعرف بكثرة القوانين التي أصدرها لتنظيم الدولة، فصدر في أحد القوانين الخاصة بالوزير الأعظم أنَّ أي شخص يتقلد هذا المنصب يجب أن يكون مواظبًا على أداء الصلاة في أوقاتها.
ومن الجدير بالذكر أن الصدر الأعظم كان يملك حرسا خاصا لحمايته وكانت له حاشية مثل السلطان. وقد اهتم السُّلطان بالوزير الأعظم ففوضه سلطات واسعة، فمثلًا، أوجد السلطان محمد الرابع مقراً رسميا في القصر للوزير الأعظم، وسمي مقره بالباب العالي، وكان ذلك لوزيره الأعظم درويش محمد باشا. وأصبح الوزير الأعظم يدبر شؤون الدولة من هذا المكان بدلا من القصر السلطاني. وكان الوزير الأعظم يجمع الوزراء في الباب العالي الذي أصبح المقر الأصلي للحكومة. ومع مرور الزمن أُطلق لقب الباب العالي على الصدر الأعظم، فقد نجد على سبيل المثال في الكتب التاريخية عبارة: “أصدر الباب العالي أمرًا” أي أن الذي أصدره هو الصدر الأعظم.
وفي القرن السابع عشر عندما دخل السلاطين العثمانيون مرحلة الضعف كان الصدر الأعظم يقوم بمهام كثيرة كانت أساسا من اختصاص السلطان في تصريف أمور الدولة، وبازدياد ضعف السلاطين ظهر وزراء عظام طغت شهرتهم على اسم السلطان نفسه مثل عائلة كوبريللي، والتي قام أفرادها بشغل هذا المنصب عن جدارة، حتى أصبح هذا المنصب وراثيًا في هذه العائلة. واستطاعت هذه الأسرة أن تعيد للدولة العثمانية هيبتها رغم ضعف السلاطين.
3. كيزلر آغا (قزلار آغاسي)
ويسمى أيضًا “آغا دار السعادة”، وهو الرجل الذي كان يشرف على شؤون الحريم في القصر. كان يتقلد هذا المنصب آغا من الزنوج الخصيان. ومنذ نهايات القرن 16، عظم شأنهم وازداد نفوذهم نتيجة لقدرتهم في التأثير على السلطان ووالدته وحريمه الذين بدورهم كانوا يؤثرون على السلطان. الأمر الذي دفع رجال الدولة الطامحين في الترقي بالإغداق عليهم بالهدايا والرشاوي.
4. الديوان
وهو بمثابة مجلس رئاسة الوزراء حاليًا، وقد تشكل الديوان بعد أن أخذت الرقعة العثمانية في التوسع. ومع نمو الدولة العثمانية، تراكمت على عاتق السلطان المسؤوليات والواجبات التي أرهقت كاهله، فكان من الحكمة تعيين وزراء لإدارة شؤون مختلفة والاعتماد عليهم في تسيير أمور الدولة. ولم يكن هؤلاء الوزراء من سلالة بني عثمان. ومن الجدير بالذكر أن السلطان كان يعين حكام إداريين (ولاة) لإدارة المناطق المفتوحة.
كان الديوان يضم جميع رؤساء الدوائر والوزراء في الدولة، وكانت الإجتماعات فيه لبحث القضايا الهامة للدولة ولبحث أمور تتعلق بتقرير السلم أو الحرب، وكان السلطان يترأس اجتماعات الديوان حتى زمن السلطان محمد الفاتح الذي أعطى مهمة إدارة الديوان للصدر الأعظم، وكان الديوان يعقد أربع مرات أسبوعيا، في أيام السبت والأحد والاثنين والثلاثاء.
5. وزير المالية (الدفتر دار)
كان السلطان العثماني في بداية تأسيس الدولة العثمانية يحصل على خمس الغنائم أثناء الحروب، وله إقطاعات تدعى الإقطاع الخاص. كما كان يُخصِّص جزءًا من تلك الغنائم إلى الجنود وعمّال الإدارة، لذلك لم يكن بحاجة إلى مساعدة وزير مالية آنذاك. لكن مع الاتساع التدريجي للدولة العثمانية ونشأة جيش الإنكشارية رأى الوزير الأعظم جندريل قرة خليل باشا بضرورة إيجاد وزارة للمالية أو خزينة المالية. وعندما تأسست، أصبحت خزينة السلطان منفصلة عنها، وسُميت خزينة الدولة بالخزنة الأميرية، وكان المسؤول عنها الدفتر دار أو وزير المالية. وقد عين السّلطان العثماني دفتر دار لمنطقة آسيا الصغرى (الأناضول)، ودفتر دار للبلقان، كما وجد دفتر دار لكل ولاية وكانوا مرتبطين بالعاصمة اسطنبول.
6. الجيش العثماني
لم تمتلك الإمارة العثمانية عند تأسيسها جيش نظامي، إذ تم تأسيس الجيش العثماني الفعلي على يد السلطان أورخان الأول، الذي أدرك حاجة الدولة الماسة إلى جيش نظامي يضم جنودا ذوي مستوى عال من التدريب. فقسمهم إلى عدة فرق، في كل فرقة عدد من الوحدات التي تضم 10 أو 100 أو 1000 جندي. كما أسس الجيش الإنكشاري الذي أصبح العمود الفقري للدولة في أوقات كثيرة، ويدعى قائده آغا الإنكشارية، ومركزه في اسطنبول. وكان هذا الجيش يتكون من أورطات (فرق)، وقد اختلف عدد الجنود في كل فرقة حسب الزمان والمكان.
اتخذ بعض الولاة في الدولة العثمانية جيشا خاصًا لحمايتهم يسمون بالجيش الخاص أو المرتزقة. وكانت تدفع رواتبهم من واردات الولاية أو عن طريق فرض ضرائب إضافية على الشعب.
كما امتلكت الدولة العثمانية أسطولا بحريا عظيما كان يعد من أفضل الأساطيل في العالم آنذاك. يعود الفضل في تعزيز الأسطول العثماني في الغالب إلى كل من السلطان محمد الفاتح والسلطان سليم الأول والسلطان سليمان القانوني. وفي أواخر القرن السادس عشر، تم إهمال هذا السلاح، فاقتصر نشاطه تقريبا على خفر السواحل. وأثناء عهد الإصلاحات، بذل السلطان محمد الثاني جهوده في إعادة إحياء السلاح البحري، فقام ببناء سفينة “المحمودية” التي كانت تعتبر أكبر سفينة حربية في العالم للعديد من السنوات.
7. الموظفون الدينيون
لعب رجال الدين الإسلاميّ دوراً هامًا في تصريف أمور الدولة العثمانية، وأهم هؤلاء هم شيخ الإسلام وقاضي العسكر ونقيب الأشراف، بالإضافة إلى الفقهاء والشيوخ والخطباء في المساجد وغيرهم من رجال الدين. وقد تم تشييد العديد من المدارس الدينية تعليم أبناء الشعب وتربيتهم على مبادئ الدين الحنيف بهدف تكوينهم ليصبحوا في المستقبل حكماء الشعب وحكامهم. وقد أُسست أول مدرسة عثمانية زمن السلطان أورخان في إزنك عام 1331م. كما بنى السلطان محمد الفاتح مدارس عثمانية كثيرة كانت تحمل اسمه. لم يقتصر البرنامج التعليمي الخاص بهذه المدارس على العلوم الشرعية فحسب، وإنَّما شمل أيضًا العديد من العلوم الأخرى، مثل الصَّرف والنَّحو والبلاغة والشِّعر وعلم المنطق وعلم الفلسفة وعلم التَّفسير والعقيدة والأحاديث الشَّريفة وأصول الفقه.
أ. المفتي أو شيخ الإسلام
يُعتبر المفتي أو شيخ الاسلام أعلى مرتبة دينية يحملها رجل دين، ولا يصل لهذا المنصب إلَّا من توفرت فيه شروط العلم الدِّيني الواسع، فوجب عليه أن يكون عالمًا بأمور الشّريعة الإسلاميّة، وأن يكون خرِّيج مدرسة دينية درس فيها جميع العلوم الإسلامية. وقد لُقِّب المفتي بشيخ الإسلام احترامًا له ولمنصبه الدِّيني الرَّفيع. وكان مفتي اسطنبول هو الذي يقوم بتعيين مفتين لباقي الولايات العثمانية، كما كان على عاتقه تعيين القضاة الحنفيين في الولايات. ويجب أن نعلم أن الدولة العثمانية كانت تسير على المذهب الحنفي، لذا فإن شيخ الإسلام كان حنفيا. أما بقية الولايات فكان الشعب يختلف من ولاية لأخرى، فبعض الولايات كانت شافعية أو حنبليةً أو مالكية، لذا فإن الولاية التي لا تتبع المذهب الحنفي كان الوالي في الولاية يقوم بتعيين مفتي الولاية حسب رأي قضاتها وشعبها، وكانت الدولة العثمانية تعترف به.
وكانت الفتوى التي يصدرها شيخ الإسلام ملزمة لكل الدولة العثمانية، حتى أن السلطان نفسه كان يلتزم بها، وكان يحق لمفتي اسطنبول إصدار فتوى بعزل السلطان إذا خالف الشريعة الإسلامية. وقد ذكر المؤرخ الفرنسي دي ساسون الذي عاش في أواخر القرن الثامن عشر في الدولة العثمانية أن العثمانيين التزموا التزاما صارما بكل ما أوجبه القرآن، وأن الدولة كانت تسترشد برأي علماء الإسلام، وأضاف أن الحكومة العثمانية كانت تلجأ إلى المفتي وتستشيره في أمور السلم والحرب، ولوضع قانون سياسي أو نظام عسكري.
فكان شيخ الإسلام مرجع السلطنة في الأمور الشرعية والمدنية على حد سواء، وذكر محمد جميل بيهم في كتابه (العرب والترك): “إن التزام الأتراك العثمانيين بالإسلام كان من الصرامة، بحيث أن مفتي الإسلام في زمن السلطان سليم الثالث أفتى بخلع السلطان عن عرش السلطنة لأنه أدخل على الدولة بعض أنظمة الفرنجة المنافية للإسلام”، وقد تم فعلا خلع السلطان سليم الثالث عن عرش السلطنة بموجب تلك الفتوى.
ب. القاضي
كانت رتبة القاضي تأتي في المرتبة الثانية بعد شيخ الإسلام. وفي بداية قيام الدولة العثمانية، عين السلاطين العثمانيون القضاة في المناطق المفتوحة من أجل تطبيق الشريعة الإسلامية. فكان يسير مع الجيوش في الفتوحات قاضي العسكر، ويدعى قاضي عسكر الأناضول، وعندما اتسعت الفتوحات العثمانية، تم تعيين قاض آخر هو قاضي عسكر الروملي. هذا بالإضافة إلى قاضي اسطنبول. وكان القاضي يسير على المذهب الحنفي حسب مذهب الدولة. وكان يتم تعيين القاضي لمدة سنة واحدة، قابلة للتجديد.
أحد أبرز مهامه هي التحقيق لعقاب المذنب في الولاية المسؤول عنها، وكان يساعده في التحقيقات الصوباشي (قائد الشرطة) وحاكم الولاية. وإلى جانب واجباتهم اليومية، كان بعض القضاة في الأناضول يجتمعون كل يوم أربعاء في مجلس رئيس الوزراء (الصدر الأعظم) كي يستمعوا إلى قرارات القضاة والشكاوى التي لم يتوصلوا فيها إلى حلول.
جـ. نقيب الأشراف
الأشراف هم الذين يدعون بنسبهم إلى الحسن والحسين احفاد النبي محمد صلّى الله عليه وسلّم. وكان الأشراف موزعين في كل مكان من الدولة العثمانية، وكان رئيسهم يلقب بنقيب الأشراف، وقد تركزوا في مكة والمدينة وحلب. كان السلطان بايزيد الثاني هو أول من أسس هذا المنصب في الدولة العثمانية، وكانت يتميزون بوضع عمامة خضراء على رؤوسهم.
احتل الأشراف مرتبة مرموقة في المجتمع وكانوا محط احترام وتقدير، وزاد احترام الناس لهم عندما تصدوا إلى الجيش الإنكشاري الذي أخذ يتدخل في أمور الشعب. وكان يطلق على الأشراف لقبا آخر هو “الأسياد” فيُذكر اسم الشريف مسبوقا بكلمة سيد. وفي زمن قوة الأشراف كانت تسلط الأضواء على شريفين أحدهما يحمل علم السلطان ويسير به في المواكب الرسمية والعسكرية، كما كان يتقدم على جميع ضباط الجيش ويُلقب بأمير العلم. أمّا الشريف الآخر فهو نقيب الأشراف والذي كان يحتل المكانة الثانية في الهيئة الإسلاميّة للدَّولة العُثمانيّة.
أمَّا الاحتفالات التي كانت تقام في شهر رمضان فكان نقيب الأشراف يتقدم فيها على مفتي الإسلام. وكان السلطان هو الذي يصدر فرمانا بتعيين نقيب الأشراف الذي كان يتخذ من اسطنبول مقرا له، ويعين في منصبه مدى الحياة.
المصادر
-“تاريخ الدولة العثمانية”، يلماز أوزتونا.
-“تاريخ اولة العثمانية”، تيسير جباره.