الدولة الزنكية: من عماد الدين إلى نور الدين زنكي

الدولة الزنكية: من عماد الدين إلى نور الدين زنكي

تعتبر الدولة الزنكية أو الدولة الأتابكية مرحلة فاصلة وغير اعتيادية في تاريخ العالم الإسلامي، فقد شكلت جسر الأمل بين فترة سقوط بعض من بلاد المسلمين بأيدي الصليبيين، وفترة بداية حركة الجهاد والتحرير التي وصلت إلى ذروتها في الفترة التالية وهي فترة الدولة الأيوبية. ومع ذلك فإن الجذور الفكرية والإيمانية لانطلاقة الدولة الزنكية تعود إلى دولة السلاجقة، والتي قامت على أهداف كثيرة من ضمنها تحرير الخلافة العباسية من السيطرة البويهية الباطنية، بالإضافة للقضاء على دول شاذة أخرى مثل دولة القرامطة، إلا أنها لم تتمكن من تحرير العالم الإسلامي من الدولة الفاطمية الرافضية، والتي كانت من أسباب ابتعاد المسلمين عن دينهم الصحيح، فقامت الدولة الزنكية بهذه المهمة على خير وجه، وهذا هو أعظم إنجازاتها إضافة إلى التمهيد للتحرير.

العالم الإسلامي قبيل الحملات الصليبية

عندما وصل الصليبيون للعالم الإسلامي، لم يمثلوا قوة حضارية عظمى ولا كثرة عددية تؤهلهم كثيراً للنجاح في حملاتهم بقدر ما كان المسلمين منقسمين على أنفسهم، وليس المقصود بالانقسام بالضرورة هو تعدد الدول، فقد أجازه العلماء عند الحاجة، ولكن لأن هذه الدول المسلمة كانت متناحرة في معظم الأحيان آنذاك، وتعلي مصالحها الخاصة على مصالح المسلمين عامة، بالإضافة إلى كثرة انتشار الحركات الهدامة والباطنية، وارتفاع نفوذ كثير منهم حتى وصلوا لإقامة بعض الدول التي حاربت الإسلام وتعاونت مع أعدائه.

كانت دولة سلاجقة الروم المسلمة قد اقتطعت الكثير من أراضي الدولة البيزنطية في الأناضول ولم يبق لهم سوى القسطنطينية وما يحيط بها، وفي هذه الظروف وصلت الحملات الصليبية، حيث لم يكن لهم من بدّ من التحالف مع الإمبراطور البيزنطي وإعطائه يمين الولاء، لكي يوافق على مساعدتهم في احتلال مناطق المسلمين شريطة إعادة أراضيه السابقة له منهم، ثم لهم أخذ ما وراء ذلك، وقد أوفوا إلى حد ما بذلك العهد، إلا أنهم رفضوا إعادة أنطاكية له، إلا أن المحزن هو أن سقوط أنطاكية والرها 491 هـ 1098م قد حصل بكل بساطة بسبب الخلافات بين قادة الجيوش الإسلامية التي استجابت لنداء الفزعة للدفاع عنهما.

كانت دولة السلاجقة المنضوية تحت لواء الخلافة العباسية قد وصلت إلى ذروة قوتها، إلا أنها بقيت دولة ذات تأثير إقليمي محلي في أقاليم شرق الأناضول وخراسان، ولم يكن نفوذها وتأثيرها شاملاً لمعظم العالم الإسلامي، وكان لدى بعض أكبر قادتها السلطان ألب أرسلان والسلطان ملكشاه وزير اشتهر على مستوى تاريخ العالم الإسلامي بإصلاحاته الواسعة، والتي منها خرج جيل صلاح الدين الأيوبي، واسمه الوزير نظام الملك، حيث أسس المدارس الشهيرة باسمه “المدارس النظامية“، كما عمل على دعم واستقطاب كبار الفقهاء والعلماء مثل شيخ الإسلام أبو حامد الغزالي، وقد تخرج من مدارسه عماد الدين الأصفهاني وبهاء الدين شداد اللذان خدما السلطان صلاح الدين الأيوبي.

آق سنقر وأصول آل زنكي

تعود بداية قصة الدولة الزنكية إلى أبي سعيد آق سنقر الملقب بـ “قسيم الدولة” الذي كان من حاشية السلطان السلجوقي العظيم ملكشاه، حيث كان يثق به كأنه توأمه وذلك لكثرة خدماته ورفعة نسبه وصداقتهما منذ الطفولة، فهنا كثر حسد رجال الدولة الآخرين له، فخشي عليه الوزير نظام الملك من الوشاية، فأشار على السلطان أن يوليه على حلب ليبعده قليلاً للحفاظ على علاقته الجيدة مع السلطان.

كانت حلب قد عانت كثيراً في السنوات الأخيرة من صراعات الحكام فيها مثل “تتش” وسليمان وغيره، فلما وصلت جيوش السلطان ملكشاه انسحب أخوه تتش منها، فقام ملكشاه بترتيب أمور المدينة ثم قام بتعيين آق سنقر والياً عليها، بالإضافة إلى كثير من المناطق والمدن المحيطة بها وصولاً إلى اللاذقية، وكان ذلك سنة 479 هـ 1087 م.

استقرت الأوضاع في حلب بشكل كبير، حيث يُعد آق سنقر هو أول من حكم مدينة حلب بعد صراعات القبائل العربية فيها، وقد تميزت فترة حكمه البالغة ثمانية سنوات بنشر العدل والإحسان للرعية، كما تحسنت الأحوال الاقتصادية بعد أن كانت متردية بفعل انشغال حكامها بالصراعات والتجاذبات، كما نجح في إعادة نشر الأمن بعد انعدامه لفترة طويلة مما أعاد حركة الزراعة والتجارة والصناعة، وعم الازدهار والأمان بشكل عام في المدينة، مما جعله مضرب المثل في تاريخ حكام مدينة حلب.

أما سياسته الخارجية فقد انصبت على مواجهة أطماع تتش حاكم دمشق الذي يريد السيطرة على كامل الشام، بالإضافة لصد توسع الفاطميين في الفترة الأخيرة في سواحل الشام، وبعد تردد، تحالف آق سنقر مع تتش لطرد الفاطميين، ورغم خشيته من انفراد تتش بالسلطة فقد حصل ذلك بالفعل، وبعد وفاة السلطان ملكشاه طلب تتش السلطنة لنفسه متصارعاً مع إخوته، وقد انتهت هذه الصراعات بمقتل آق سنقر على يد تتش سنة 487 هـ 1094 م.

عماد الدين زنكي

حظي عماد الدين زنكي برعاية كبيرة من مماليك والده وأصحابه، وذلك نتيجة إخلاص والده آق سنقر وصلاحه، وفي هذه الأثناء كان كربوغا هو حاكم الموصل، حيث وصلت طلائع الحملات الصليبية وتمكنت من انتزاع أنطاكية والرها وتأسيس إمارتين فيهما، ثم تبعتها إمارتي طرابلس وبيت المقدس، إلا أن الحاكم الذي تلاه “جركمش” تمكن من صد توسع الصليبيين باتجاه الشرق من حلب والعراق في معركة البليخ قرب حران سنة 497 هـ 1104 م.

ثم تلا ذلك بداية محاولات القائد شرف الدين مودود بن التونتكين بإقامة الجهاد ضد الصليبيين بأمر من السلطان السلجوقي محمد، وقد كان عماد الدين في جيشه في معركته الأخيرة التي وقعت قرب دمشق عند جسر الصنبرة ضد ملك بيت المقدس الصليبي بلدوين سنة 507 هـ 1113 م، وذلك بعد الفشل في ثلاث حملات وحصار ضد إمارة الرها التي استنجدت بإمارة بيت المقدس الصليبية، وتعد حملات شرف الدين مودود بداية نقطة التحول نحو بدء حركة الجهاد الإسلامي ضد الصليبيين.

ورغم نشأة عماد الدين زنكي بعيداً عن أجواء الحكم، إلا أنه عاش في كنف رعاية كبيرة من السلاجقة كتعبير عن شكرهم لوالده وتضحياته في سبيل نجاح دولتهم، ثم بدأ عماد الدين العمل السياسي في خدمة أتابك الموصل كربوغا سنة 489 هـ 1096 م، واستمرت العلاقات الحسنة أيضا مع جركمش، وقد كان بارزاً في مهاراته وشجاعته مما أدى لذيوع صيته، وبعد قتاله مع مودود وآق سنقر البرسقي قربه السلطان محمود وجعله أتابك على ولديه، ثم عينه والياً على الموصل والجزيرة.

وبذلك أتيحت فرصة كبيرة لعماد الدين أن يثبت للسلاجقة قدرته على مواجهة الخطر الصليبي، كما كان لديه مخطط لفتح وتوحيد معظم بلاد الشام، ويُعتبر تاريخ بدء حكمه للموصل هو تاريخ بدء الدولة الزنكية منذ سنة 521 هـ 1127 م، حيث تمكن من الاستقلال عن الدولة السلجوقية مستغلاً صراعاتها مع الخلافة العباسية، فانتقل إلى كنف الخلافة العباسية بشكل مباشر ليبدأ في تنفيذ مشروعه الكبير، وقد أخرته كثرة الصراعات في العراق عن ذلك، بل حتى إنه قد تعرض لخطر العزل أو الاغتيال أكثر من مرة في بسببها.

وقد كان للقاضي بهاء الدين الشهرزوري دور كبير في مساعدة عماد الدين على تنصيبه حاكماً على الموصل، وذلك طبعاً بسبب ما عُرف من قوته وبراعته العسكرية، فبدأ بضم نصيبين ثم تمكن من توحيد حلب سنة 522 هـ، حيث كان ذلك بمثابة ترسيخ انطلاق حركة الجهاد وتثبيتها، فانطلق منها إلى توسيع توحيد كثير من البلاد الإسلامية الأخرى متبعاً أساليب المؤسسات الإدارية والعسكرية نفسها التي كانت في الدولة السلجوقية، وقد حرص على تجنب أي مواجهات كبرى مع الصليبيين قبل إكمال توطيد أركان دولته.

توسع الدولة الزنكية

واصل عماد الدين توحيد البلاد الإسلامية من حوله شمالاً وجنوباً، فضم سنجار وحرَّان، ثم حماة ولكن استعصت حِمص عليه، كما ضم المناطق القريبة من نصيبين مثل ديار بكر والأثارب، حيث أمده كل ذلك بمزيد من القواعد العسكرية الاستراتيجية وطرق الإمداد ومصادر التموين، كما عمل على محاولة ضم أربيل وبغداد لكنه لم يفلح في ذلك، فتوجه إلى ضم الرقة وغيرها من مناطق إلى الجنوب، ثم أقام علاقة مع ولاة تكريت الأيوبيين حيث كان يحكمها نجم الدين أيوب والد صلاح الدين الأيوبي، وبسبب بعض المشاكل تم طرد الأيوبيين من تكريت فاستقبلهم عماد الدين وأقطعهم مناطق واسعة وأحسن إكرامهم، كما عين نجم الدين والياً على بعلبك بعد فتحها سنة 534 هـ، حيث نشأ وترعرع صلاح الدين فيها.

عمل عماد الدين على إطلاق بعض الحملات العسكرية في محيط منطقة ديار بكر وهي قريبة من إمارة الرها الصليبية، كما حسّن صلاته مع إمارة أرمينيا بالنسب، لكنه فشل في ضم دمشق من حاكمها إسماعيل بن بوري بن طُغتكين رغم العمل على حصارها بسبب استنجاد أهلها بالخليفة العباسي، ثم توجه إلى مهاجمة أنطاكية في أقصى الشمال الغربي، ففتح العديد من الحصون الواقعة على الشرق منها، وانتصر على ملك مملكة بيت المقدس فولك الذي استنجد به أمير أنطاكية ريموند، حيث تم إفناء معظم الجيش الصليبي وفتح حصن بعرين، ثم قام بضم دقوقا وقلعة شهرزور، وعلى الرغم من زواج عماد الدين من صفوة المُلك زُمُرُّد خاتون التي كانت شخصية كبيرة في العائلة الحاكمة في دمشق إلا أنها فقدت نفوذها عندما خرجت من دمشق ولم يفلح بذلك إلا في ضم حمص.

ثم ظهرت فرصة أخرى لعماد الدين بضم دمشق سنة 533 هـ 1139 م بسبب الخلافات بين ورثة الحكم بعد وفاة شهاب الدين محمود بن زمرد خاتون، إلا أنه فشل مرة أخرى في ذلك رغم أنه ضرب الحصار عليها بسبب تمسك أهلها بحكامهم وبسبب تحالف حاكمها “أنر” مع الصليبيين، حيث أدرك كل من الطرفين خطر الزنكيين عليهم، وخاصة الصليبيين، حيث رأوا أن توحيد عماد الدين للموصل مع حلب وحمص وحماة يجب أن لا يمتد إلى دمشق وإلا ستكون بداية نهاية الوجود الصليبي.

تحرير الرها من الصليبيين

مثل ما يوجد بين حكام دول المسلمين من خلافات، فإنه يوجد كذلك بين حكام إمارات الصليبيين، حيث لم تسمر العلاقات بين الصليبيين والبيزنطيين على وفاق دائماً، فقد فرح الصليبيين بوفاة الإمبراطور البيزنطي يوحنا كومنين سنة 538 هـ 1143م، وبعد أن استطاع حاكم بيت المقدس تأمين حدوده الشمالية بالتحالف مع دمشق، أصبحت أمارتي الرها وأنطاكية وجهاً لوجه مع عماد الدين. وفي نفس السنة توفي ملك بيت المقدس فولك ولم يكن له من وريث إلا طفلين، فتولت الحكم زوجته الملكة ميلسندا، ولكنها لم تتمكن من ملء الفراغ، فقد كان ملك بيت المقدس عادة ما يتدخل لتسوية الصراعات بين إمارتي الرها وأنطاكية ولكنها لم تكن تفعل.

فإذا أضفنا كل ذلك إلى حالة العداء الشديد التي حصلت بين الصليبيين والبيزنطيين، نصل إلى الظروف المناسبة التي انتظرها عماد الدين طويلاً للبدء بتحرير البلاد من الصليبيين، وبالإضافة إلى ما سبق، فقد كان جوسلين الثاني أمير الرها ضعيف الشخصية وقصير النظر، كما عانت إمارته من عدم الاستقرار بسبب ميله إلى نصارى الأرمن على حساب النصارى الغربيين الذين هم غالبية شعبه وجنوده، كما أنه كان يألف الراحة والدعة، وكان المسلمون يحيطون بإمارة الرها من كل جانب.

بدأ عماد الدين بإنهاك إمارة الرها بالحملات المتتابعة، وقد تمكن جيشه من فتح العديد من الحصون والقلاع التابعة للرها، وهذا مهّد له الطريق، غير أنه احتاط للأمر بشكل أكبر، فقام بالتمويه بأنه ذاهب إلى مدينة آمد التابعة للأراتقة، فذهب جوسلين لمساندة أمير الأراتقة قرا أرسلان، فلما علم عماد الدين استغل الفرصة ودخل مدينة الرها، وكان ذلك سنة 539 هـ 1144 م، ولم يجرؤ أمير الرها على العودة إليها، ولم يرغب أمير أنطاكية بأن يحرك ساكناً، كما أن الملكة ميلسندا لم تفلح بفعل شيء، حيث أرسلت بجيش للنجدة لكنه وصل بعد فوات الأوان.

اتبع عماد الدين سياسة حكيمة مع النصارى الأرمن والسريان والروم في الرها، حيث أدى لهم كامل حقوقهم وأكرم أساقفتهم، فكسب بذلك ولاءهم واكتفى بمعاقبة الصليبيين الغزاة فقط، وكان من نتائج هذا الفتح أن عاد باب الأمل في إمكان تحرير بيت المقدس من الصليبيين، وقد اعتبر فتحاً كبيراً للإسلام انتشر خبره في الآفاق، وهو ما مهد الطريق إلى مزيد من الفتوحات، حيث طهّر طرق المواصلات التي تربط شمال الشام مع العراق والجزيرة، كما أنه شكل صدمة كبرى للكيانات الصليبية الأخرى، وما لبث أن اغتيل عماد الدين على يد أحد مماليكه في حصار قلعة جعبر سنة 541 هـ 1146 م رحمه الله.

ضم دمشق ومصر

انقسمت الدولة الزنكية على الفور بعد وفاة عماد الدين، ورغم أن لديه أربعة أبناء، إلا أنها أصبحت بشكل رئيسي مع سيف الدين في الجزء الشرقي وعاصمته الموصل، ومع نور الدين في حلب والجزء الغربي ككل، وكان يفصل بينهما نهر الخابور. وقد كان نور الدين مثل والده بل أكثر منه حرصاً على تطبيق الشريعة وإحلال العدل والرخاء في المجتمع، مقتدياً في ذلك بالخليفة عمر بن عبد العزيز، وقد حرص على نشر العلم وتصحيح العقيدة، فكان من خططه أيضاً ضم مصر بعد شيخوخة الدولة الفاطمية فيها، وذلك لضرب عدة عصافير في حجر واحد، منها تقوية دولته في مواجهة الصليبيين والعمل على إعادة المذهب الإسلامي الصحيح فيها.

بدأ بالقضاء على بقايا المذاهب الباطنية الاسماعيلية في حلب، فافتتح المدارس واستعان بخريجي مدارس الوزير السلجوقي نظام الملك، وشجع العلماء على الهجرة إلى دولته من كافة الأمصار. وقد كان نور الدين يحرص على تطبيق مبدأ الشورى والبعد عن الانفراد في القرار، كما أنه اتصف بالزهد والتعفف، وعلى يديه تم أخيراً ضم مدينة دمشق، حيث هتفت له الجماهير هتافاً لا يزال يتكرر حتى العصر الحديث في مظاهرات الدمشقيين، “نور الدين يا منصور، وبسيفك فتحنا السور..” ولكن لا يعرف أغلب الناس معناه، بالإضافة لتمكنه من إعادة توحيد الموصل تحت حكمه.

كان من منجزات نور الدين أيضاً التصدي للحملة الصليبية الثانية سنة 540 هـ 1145 م التي جاءت كرد فعل على سقوط إمارة الرها، حيث لم يجد الصليبيين سوى التوجه إلى احتلال دمشق رغم أن حكامها هم حلفاء لهم، وفي الواقع فإن وصول الحملة الجديدة قد أعاد خلط الأوراق، حيث إن الصليبيين الذين مضى على إقامتهم زمن طويل كانوا يفضلون الوفاء بالعهود لمعرفتهم بالمنطقة وثمن نقض العهود، لكن القادمين الجدد رأوا في هذه السياسة ما يشبه العمالة للمسلمين، واستقر الأمر على أن يحتلوا دمشق، مما دفع بأهلها الى الاستعانة بنور الدين، وبحيلة ذكية تمكن نور الدين من إسقاط ولاء وجهاء وكبراء المدينة من حاكمها ونقل ولائهم له، ثم طلبوا منه رسميا الحضور لتسلم المدينة، وبذلك تم الأمر بأقل الأضرار الممكنة سنة 549 هـ 1154 م.

الدولة الأيوبية ترث الدولة الزنكية

بدأ ملوك بيت المقدس الجدد بلدوين الثالث ثم عموري الأول بمحاولة التوسع باتجاه مصر، وذلك يبدو كرد فعل على توسع وتوحيد الدولة الزنكية التي أصبحت للمرة الأولى تفوق قوى الصليبيين مجتمعين، فأدرك نور الدين ضرورة ضم مصر، فعمل على إرسال صلاح الدين الأيوبي وعمه أسد الدين شيركوه للقيام بهذه المهمة، وطبعاً ضمن خطة سلمية محكمة وطويلة الأمد، بحيث تتجنب إثارة الفتن والصراعات، فقد كانت الأمور مهيأة، ولكنها أخذت بالرغم من ذلك سنوات من العمل الصبور.

وبعد انتهاء صلاح الدين من إكمال المهمة وإعلان نفسه حاكماً على مصر تابعاً لنور الدين، خشي نور الدين من أن صلاح الدين قد يستقل بدولته لأنها أقوى، إلا أن صلاح الدين أعاد تأكيد الولاء له، ثم ما لبث أن توفي نور الدين 569 هـ 1174 م ، ليعمل بالفعل صلاح الدين على وراثة الدولة الزنكية بالكامل، وهذا بالطبع كان لصالح استمرار المخطط الجهادي، حيث أن الوضع لا يحتمل أن تنقسم الدولة مرة أخرى على ورثة نور الدين.

المراجع

1. الدولة الزنكية، تأليف د. محمد علي الصلابي.

2. تاريخ الزنكيين في الموصل وبلاد الشام، تأليف د. محمد سهيل طقوس.

3. عماد الدين زنكي، تأليف د. محمد علي الصلابي.

4. نور الدين زنكي، تأليف د. محمد علي الصلابي.