تعد شخصية الإمام الكبير شيخ الإسلام أبو حامد الغزالي مركّبة جداً، فقصته متنوعة وتصلح كمادة دسمة للعديد من الجوانب العلمية الشرعية والاجتماعية، فهو إمام كبير في الفقه الشافعي وأصوله، وهو أيضاً فيلسوف إسلامي على المستوى العالمي، وأيضاً متصوف من كبار أئمة الصوفية، وقد كُتبت عنه الكثير من الأبحاث في مجالات الدراسات الاجتماعية وعلم النفس، ولكنّ ما نريد التركيز عليه في هذا العرض المختصر هو جهوده الإصلاحية في الفترة التي تزامنت مع الحروب الصليبية، فما هي أعمال الإمام محمد الغزالي في هذا المضمار تحديداً؟ وكيف كانت لشخصيته المتعددة الجوانب أكبر الدور في المساهمة بإطلاق حركة إصلاح نهضوية ثرية وعابرة للتخصصات التقليدية؟ وذلك بأفضل مما فعل رجال النهضة الأوروبية بعد ذلك بعدة قرون.
تنبع أهمية هذا الموضوع من حقيقة أنه كانت ولا تزال معظم الدراسات حول الإمام الغزالي على تنوعها إلا أنها تغفل دوره الإصلاحي، فبالإضافة إلى كونه عالماً مجدداً عدة مجالات، فقد كان أيضاً مصلحاً اجتماعياً وخاصة نتيجة ظهوره في وقت الغزو الصليبي وانطلاق مشروع مدارس الوزير الإصلاحي نظام الملك المعروفة بالمدارس النظامية.
والواقع أن الإمام الغزالي قد كانت حياته ومؤلفاته مهمة في كل جانب من جوانبها العلمية والفكرية، وقد كان يتم التركيز على كل جانب منها بحسب التحديات التي كانت تواجه الأمة الإسلامية، ففي القرن العشرين مثلاً كان هناك مشكلة التصوف وتزكية الأنفس، وكذلك مشكلة الرد على شبهات الفلسفة، كما تم أيضاً طرح التجديد الفقهي، فكان للإمام الغزالي من كل تلك الجوانب نصيب كبير، وفي القرن الحادي والعشرين نجد الشباب العربي أصبح متعطشاً بشدة للتعرف على الأفكار الإصلاحية والنهضوية، ولحسن الحظ فقد كان للإمام الغزالي فيها أيضاً نصيبٌ كبير، فقد كان من زملاء الدراسة للوزير نظام الملك، كما أن له أسس فكرية ومؤلفات خاصة بهذا الجانب.
عصر الشيخ محمد الغزالي ونشأته
غلب الفساد والانحطاط والتفرق على المجتمع الإسلامي بشكل عام في القرنين والقرن الخامس الهجري، مما نتج عنه كذلك الأمر سقوط كثير من بلاد المسلمين بأيدي الصليبيين وعجز الدول والأنظمة الإسلامية عن التصدي لهم نتيجة انتشار التمزق والفرقة على كافة الأصعدة سياسياً ودينياً واجتماعياً. فقد انتشرت الفرق الباطنية وأذكت الصراع بين المذاهب الإسلامية المختلفة وخاصة لجهة دعم انتشار الأفكار الضالة والإلحادية بزعم أن أصحابها من شيعة آل النبي صلى الله عليه وسلم. كما انتشرت الخلافات المذهبية بكثرة حتى بين أهل السنة والجماعة أنفسهم، وأصبح من الشائع حدوث الاضطرابات الاجتماعية في المساجد بين الحنابلة من جهة والأشاعرة من جهة أخرى على سبيل المثال، وذلك في مشهدٍ مشابهٍ لما يوجد من صراعات وعصبيات في العصر الحديث.
كما وقد عمّ الفساد والاضطرابات في مختلف جوانب المجتمعات الإسلامية، بدءاً من الاضطراب السياسي حيث كثرت الدول وكثر الخلاف بين الولاة والحكام، ثم ومع اتساع الهوة بين الأغنياء والفقراء خاصة في مصر الفاطمية، فقد انتشرت المجاعات والاضطرابات والثورات والحروب الأهلية بين الحين والآخر، حيث كانت بعض هذه الحروب قائماً على أسباب سياسية وبعضها بسبب المجاعات وارتفاع الأسعار، كما اشتملت الاضطرابات على تحول الخلافات المذهبية والفكرية حتى بين أهل المذهب الواحد إلى اقتتالات أهلية حقيقية، كما عمّت الأوبئة والكوارث الطبيعية مثل القحط والزلازل، وأخيراً فقد تسببت الدولة الفاطمية بسياساتها الديكتاتورية ومحاربتها للدين والعقيدة الإسلامية الصحيحة بالكثير من هذه المصائب والحروب والمجاعات.
في مثل هذه الظروف الحرجة ولد الإمام الغزالي سنة 450 هـ في مدينة طوس في خراسان، وقد عمل والده في غزل الصوف وكان فقيراً، وكان يحب مجالس العلم ويدعو الله تعالى أن يرزقه بولد واعظ وفقيه، بدأ الإمام الغزالي الدراسة في بلده على يد الشيخ أحمد بن محمد الراذكاني، وبقي يطلب العلم حتى سنة 478 هـ في بغداد عندما أصبح مدرساً في المدرسة النظامية، ثم انتقل إلى نيسابور فالتقى بأكبر شيوخه الإمام أبو المعالي الجويني الملقب بإمام الحرمين، فكان من أشد تلامذته ملازمةً له، وقد ظهرت علامات النبوغ وقوة الحفظ وقتذاك على الإمام الغزالي، فوصفه الجويني بأنه “بحر مغدق”، وفي هذه الفترة برع الغزالي في الفقه الشافعي وألف كتابه “المنخول” الذي أذهل الإمام الجويني.
التدريس في المدارس النظامية
بعد وفاة الإمام الجويني، أقام الغزالي في المعسكر الذي جعله الوزير نظام الملك مجلسه لأهل العلم، حيث كانت فيه تُقام كبرى المناظرات التي برع بها الإمام الغزالي، فأدرك الوزير نظام الملك أنه الشخصية التي تسد الفراغ في المدرسة النظامية في بغداد، فوجهه فوراً للتدريس فيها وإدارة شوؤنها سنة 484 هـ، وكان عمره حوالي أربعة وثلاثين عاماً فقط، وبقي يدرّس فيها أربع سنوات يأتيه الطلاب من كل حدب وصوب وارتفعت منزلته وعلا كعبه، حتى وصل عدد طلابه نحواً من ثلاثمئة ألف طالب، وهذا مما يدل على الدور الكبير الذي أخذه على عاتقه في تخريج أجيالٍ كبرى من الطلاب الذي أصبحوا جنوداً في مختلف الميادين للتصدي للمشاريع الصليبية والباطنية التي هددت الأمة الإسلامية في تلك الفترة الحرجة من التاريخ الإسلامي.
وكان من أهم أسباب نجاح الغزالي ما يلي:
– النشأة العلمية الصحيحة وملازمة كبار أهل العلم منذ الصغر.
– قوة الذاكرة والنبوغ النادر مع السداد في الرأي وحسن النكتة ولطف العبارة.
– التمتع بالحظ الوافر في عصره حيث احتاج الوزير نظام الملك بشدة للمدرسين الأكفاء.
– الحاجة الماسة لدى التلاميذ إلى المدرسين المجددين الكبار، وهو ما توفر في الإمام الغزالي.
مفهوم الإصلاح عند الغزالي
لم يكن الإمام الغزالي صاحب مفاهيم تقليدية في القضايا الكبرى والرئيسة، بل كان صاحب علم تجديدي نابعٍ من الاحتياجات الجديدة لعصره، فلم يقم بدعوة الجماهير المسلمة لقتال الصليبيين أولاً، ولكن نظر إليهم على أنهم محتاجون للإصلاح والتربية الإيمانية والعلمية أولاً، وذلك ليكونوا مؤهلين للقيام بهذه المهمة على خير وجه. كما كانت دعوته الإصلاحية الكبرى بعد سنوات من اعتزاله ووحدته حيث ألف “كتاب إحياء علوم الدين” وغيره، وقد وضع فيه مفهوم الإصلاح الذي يرتكز على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والحسبة، وأن العالم والفقيه الشرعي هو من ورثة الأنبياء ويجب أن تكون رسالته في الحياة هي تبليغ الدين وإحياء الشريعة وليس التكسب المالي، وأن هذه الرسالة هي فرض عين بحق كل عالم شرعي.
كما اهتم بتزكية النفس باعتباره التطبيق العملي للعقيدة الإسلامية، حيث يزداد إيمان المؤمن ويصل إلى مراتب التوكل واليقين العملية ولا يكتفي فقط بفهم ودراسة العقيدة الإسلامية بشكل نظري خالي من الاستفادة التطبيقية، وهذا مما يساعد على انعكاس ذلك على تحسين سلوك المسلم وزياد استعداده للقيام بواجبات النهضة والإصلاح والجهاد والبناء الحضاري. كما حذر من الصفات الأخلاقية الباطنة، والمفضية إلى فساد الفرد والمجتمع مثل الرياء والكبر والغرور والحسد وغيرها من المنكرات الخفية للنفوس والقلوب، وهي على خلاف منكرات الجوارح الظاهرة التي تظهر بسهولة للمراقب.
وبالإضافة إلى كل ذلك، فقد حرص الغزالي على وضع ضوابط للإصلاح، والتي من أهمها:
– الانبثاق من حقائق القرآن الكريم والسنة النبوية عملاً وتطبيقاً.
– ربط الإصلاح بالأحكام الشرعية والفقهية على أصولها وأدلتها الشرعية.
– ربط الإصلاح بالنواحي النفسية والاجتماعية، فقد حاول إصلاح ظواهر الفساد في النفس والمجتمع.
– تشجيع قيام العلماء بالإنكار على الولاة والحكام الفاسدين، ولكن بالمعروف من غير إسقاط هيبتهم وسلطتهم.
– وضع حدود لسلطة الحكام في العقل الجمعي، فلا يصلون إلى مصاف الآلهة ولا تجب طاعتهم في غير معروف.
– الاعتبار لأحكام العلم والعقل ضمن حدود الشرع بحيث لا تطغى على النصوص والأدلة الشرعية.
– الوعي بمراحل الجهاد بداية من الجهاد الإصلاحي في النفس والمجتمع، ثم الجهاد الإداري والسياسي والاقتصادي متمثلاً في بناء الدولة الإسلامية الموحدة، ثم الجهاد العسكري تحت راية دولة شرعية عادلة موحدة.
– انتقاد الحكام والولاة والمسؤولين الظالمين وتحريم التعامل معهم ومعاونتهم على ظلم الرعية والعباد.
كما اشتملت إصلاحات الإمام الغزالي على موقف واضح وقوي من الفرق الباطنية، فقد كانت خطوة ضرورية آنذاك قبل القيام بمهمات الإصلاح، فعمل على محاربة الفكر الباطني الشيعي المتشدد بأنواعه وأشكاله، وبخاصة أن هذا التوجه كان يصب في التوجهات الإصلاحية لدى الدولة السلجوقية والخلافة العباسية، فعمل الإمام الغزالي على تأليف العديد من الكتب وشن العديد من الحملات الشجاعة التي تبين حقيقة هؤلاء، وبخاصة أنهم قد لجأوا إلى الطرق الفلسفية الملحدة في محاولة لتثبيت عقائدهم المنحرفة، ولما كان الإمام الغزالي من كبار الذي ردوا على الفلاسفة، فقد كان من السهل عليه أن يشمل ذلك بأعمال فكرية كبيرة في مواجهة هذه الفرق الضالة التي تسببت بانحراف كبير في عقيدة المسلمين وأضرت بحياتهم الدينية والاجتماعية بشدة.
وقد كان مرتكز الإمام الغزالي في الإصلاح يقوم على فكرة الانسحاب مؤقتاً من الانشغال بأمر العامة بهدف إجراء مراجعات شاملة للأفكار والمعتقدات والتصورات، فهو في النهاية يظل ابن بيئته يحتاج إلى تمحيص الأفكار والفلسفات الكثيرة التي تدور من حوله بشكل دقيق وعميق، وخاصة أيضاً لكونه يعتبر نفسه عالماً مجتهداً لديه رسالة ومسؤولية اجتهادية وليس مقلداً من عوام الناس، وقد صحبه كذلك في هذه الرحلة العديد من العلماء والمصلحين الآخرين.
وبعد عزلة طويلة نسبياً استمرت لحوالي عشر سنوات عاد للتدريس في بغداد، حيث كانت لديه أهم الأهداف التالية:
– العمل على إعداد وتخريج جيل من القادة والعلماء الراسخين في العلم، بحيث يكونون بقدر المستطاع متحدين متكاملين ونابذين للفرقة والصراع غير المسوّغ بين المذاهب الإسلامية المعترف بها.
– العمل على إخراج الأمة الإسلامية من الأمراض المزمنة التي ألمّت بها ونخرت في كيانها، من ضعف العقيدة والإيمان إلى حب الدنيا، والعمل على إعادة إحياء الإسلام من جديد في نفوس المسلمين.
– إعداد الأمة لتعود إلى حمل رسالتها في تبليغ دين الإسلام للبشرية أجمعين.
– تأجيل قضية الجهاد ضد الصليبيين إلى ما بعد إعداد وبناء الأمة الإسلامية من جديد.
– الاعتماد على النقد الذاتي بدلاً من التبرير وإلقاء المسؤولية على شماعة الظروف الخارجية والغزو الأجنبي.
– تجديد الفقه وتمحيص التراث الإسلامي والبناء عليه وليس مجرد الاكتفاء بالموروث.
التصوف والفلسفة
كان دور الإمام الغزالي في الرد على فتنة انتشار الفلسفة اليونانية في الفترة المتأخرة من الخلافة العباسية شهيراً للغاية، وذلك بعد انتشار حركة ترجمة العلوم التي بدأ بها الخلفاء العباسيون، فقد استفحلت الفتن العقدية والأخلاقية بسبب انتشار هذه الفلسفات المخالفة للعقيدة الإسلامية وضعف قدرة العلماء الشرعيين عن الرد المفحم عليها بواسطة علم الكلام، حيث كان علم الكلام أقرب لحالة الدفاع من الهجوم، ولكن الإمام الغزالي تمكن من الرد عليها بشكل كبير وعلى مستوى تاريخي وذلك فقط بقضاء فترة وجيزة نسبياً في قراءة كتبها، فبدأ أولاً بتأليف بعض الكتب في شرح الفلسفة بطرق بسيطة مثل كتاب مقاصد الفلاسفة، ثم قام الرد عليها في كتب أخرى مثل تهافت الفلاسفة والمنقذ من الضلال، فانتقل بذلك من حالة الدفاع إلى حالة الهجوم على الفلسفة في عقر دارها وباستخدام مصطلحاتها.
ويميل بعض المؤرخين إلى تقسيم حياة الإمام الغزالي إلى أربعة أقسام معرفية قرر الخوص فيها لمعرفة أيٍ منها توجد فيه الحقيقة، وهي:
– فترة الفقه الشافعي وأصول الفقه: وعلى الرغم من براعته الكبيرة فيه وقدرته على التجديد، إلا أنه بقي متعطشاً إلى المزيد من البحث والمعرفة.
– فترة الفلسفة: حيث غاص في أعماق الأفكار الفلسفية المختلفة من أفكار إلحادية إلى أفكارٍ من ديانات الفلسفات الشرقية، وخرج منها بنتائج تبيّن كيف أن مناهجها فاسدة وتعمل على خداع وتغرير أتباعها عبر تعليمهم الرياضيات والمنطق أولاً لإبهارهم، ثم تعليمهم الجوانب المتعلقة بالإلهيات، وهي جوانب باطلة.
– الفترة الصوفية: وهي الفترة التي اعتزل فيها التعليم والفلسفة وقرر البحث عن الحقيقة بتزكية النفس وإصلاح القلب والباطن، وقام فيها بتأليف كتاب إحياء علوم الدين، كما قام بتطوير منهجه الإصلاحي.
– فترة دراسة الحديث الشريف: وتعتبر هذه الفترة قصيرة في أواخر حياته، وقد كانت بعض من الأحاديث التي استشهد بها في كتبه ضعيفة، ولكنه لم يدرك اللحاق بتصحيح ما قام به، حيث عاجلته المنية قبل ذلك وتوفي وصحيح البخاري على صدره بعمر الخامسة والخمسين سنة 505 هـ.
وقد تداخلت فترته الصوفية كثيراً مع أفكاره الإصلاحية الاجتماعية، مما يدل على أنها لم تكن مجرد صوفية انعزالية فردية، ولكنها حالة اجتماعية بقيت مرتبطة بحياته السابقة كمدرس وعالم، فاستغلها من أجل وضع منهج إصلاحي فردي وجماعي ينطلق من تزكية الأنفس ويشخص مشاكل الأمة، كما وقد كان من أبرز ما ذكره من أمراضٍ انتشرت في المجتمع ما يلي:
– فساد رسالة العلماء: حيث لم يعتبر أن المشكلة تبدأ بالضرورة من فساد الطبقة الحاكمة بقدر ما تبدأ من فساد العلماء الذين لو أنكروا على الطبقات الحاكمة والمترفة فسوف يقل الفساد والظلم.
– التعصب المذهبي: وتشتمل أيضاً على ضعف التسامح وقلة الأخلاق العالية بين طلبة العلم، حيث انتشرت الجدالات العقيمة وأصبح كل حزب بما لديهم فرحون.
– تفكك وحدة المسلمين: وذلك بكثرة ظهور الفرق الضالة و الدول الباطنية الهدامة والتي عملت على زيادة الفرقة والنزاعات، كما وتعاون بعضها مع الصليبيين وأعداء المسلمين بهدف تدمير رسالة الإسلام والأمة الإسلامية بالكامل.
– التدين الشكلي: حيث انتشرت مظاهر الرياء والغرور واستغلال التدين للأغراض الشخصية مثل التجارة والمهنة، كما انتقد المنهج التعليمي القائم بأنه يعمل على تخرج علماء موظفين هدفهم الدنيا وليس الآخرة.
نقد العلماء للغزالي
على الرغم من المدح الكبير الذي حظيت به جهود الإمام الغزالي العلمية والإصلاحية الكبيرة، فقد توجهت إليه أيضاً بعض من سهام النقد، وكان بعضها متعسّفاً غير منصف، وبخاصة ضد انتمائه للتصوف عموماً وبعض أفكاره الفلسفية التي تأثر بها بالفعل من الفلاسفة، حيث قيل عنه أنه “دخل في بطون الفلاسفة فلما أراد أن يخرج لم يقدر”. ولكن بعض هذه الانتقادات الأخرى كانت منصفة ومعتدلة وامتدحت منجزاته العلمية التجديدية والإصلاحية، ومن أهم الانتقادات المنصفة ما يلي:
– وجود بعض الأفكار الصوفية الشاطحة في كتابه إحياء علوم الدين، فعلى الرغم من وضوح حرصه على نقد انحرافات الصوفية وأفكارهم الشاذة التي تصل أحياناً إلى وحدة الوجود والاتحاد والحلول، فقد وُجدت في كتابه بعض الأفكار التي قد تُفهم خطأ بأنها تؤيد تلك التوجهات المغالية والمنحرفة، ولذلك يفضل عدم قراءة هذا الكتاب من قبل العوام والاكتفاء بالكتب التي تختصره.
– عدم الاهتمام بصحة الأحاديث الشريفة في كتبه وخاصة كتاب الإحياء، ويعتقد كثير من العلماء المنصفين بأن الغزالي لو امتد به العمر بعد اهتمامه بالحديث في الخمسينات من عمره لعمل على تصحيح هذه المشكلة، وأما الكتب التي اختصرت كتاب الإحياء مثل كتاب مختصر منهاج القاصدين لابن قدامة المقدسي قد تجاوزت هذه المشكلة وأبقت على الصحيح منها.
– تأثر الإمام الغزالي ببعض الأفكار والاعتقادات الفلسفية المنحرفة، وهذه المشكلة مشابهة لمشكلة تأثر الأشاعرة بأفكار الفرق المنحرفة بسبب عملهم على التصدي لانحرافاتهم، ومن الواضح أن هذه المشكلة لا تظهر لعوام الناس وهم غير معنيين بها، ومن المحتمل جداً أن يكون الإمام الغزالي قد تمكن من التخلص منها لأنه باحث مستمر عن الحقيقة.
المراجع:
1 – الإصلاح الاجتماعي عند أبي حامد الغزالي. د. نور الدين أبو لحية.
2 – دولة السلاجقة وبروز مشروع إسلامي لمقاومة التغلغل الباطني والغزو الصليبي. د. محمد علي الصلابي 2006.
3 – نقد شيخ الإسلام ابن تيمية لأبي حامد الغزالي. علي بن عبد العزيز بن علي الشبل.
4 – هكذا ظهر جيل صلاح الدين وهكذا عادت القدس. د. ماجد عرسان الكيلاني.