إسمه الكامل هو أبو الفتوح سيف الدولة بولوغين بن زيري بن مناد الصنهاجي (Bologhin ibn Ziri Es-Senhadji)، أحد أعظم القادة الذين حكموا شمال أفريقية في القرن العاشر الميلادي ومؤسّس الدّولة الزّيرية والّتي اِتخذت في البداية مدينة آشير كعاصمةٍ لها.
وحسب ما ورد عن ابن خلدون فنسبه المُفصَّل كالآتي: 《بُولوغين بن زيري بن مَنَّاد بن مَنكُوش بن صنهاج الأصغر بن أوسْفاك بن جِبريل بن يَزيد بن أُوصلي بن سَملِيل بن جَعفرْ بن إِلياس بن عُثمان بن سكَاد بن مَلْكَان بن كرت بن صنهاج الأكبر》.
يُذكر أنه وُلد خلال القرن التاسع ميلادي بالمغرب الأوسط، وينحدر بولوغين بن زيري من القبيلة الصنهاجية الَّتي سيطرت على إقليم الشرق بالمغرب العربي، وكان والده زيري بن منّاد ملك الصناهجة يملك نفوذًا واسعًا في أفريقية.
تأسيسه للجزائر
أثناء فترة حكم أبيه، قام القائد بولوغين بن زيري بتأسيس مدينة الجزائر العاصمة سنة 960م على أنقاض المدينة التاريخية “إكوزيوم”، فأعاد إعمار مدينة الجزائر بشكل كامل بعد تأسيسها مباشرةً، فدبَّت الحياة فيها وازدهرت. وفي عهده كان يُطلق عليها اسم “دزاير نايت مزيغن”، ولقد تُرجمت العبارة إلى “جزائر بني مزغنة”. إلى جانب ذلك، أسَّس بولوغين بن زيري مدينتي المديّة ومليانة، وأولَى اهتمامًا بالغًا للإعمار والبناء وتشيّيد القرى بشكل خاص وتحصينها.
تمَّ ذكر تسمية مدينة الجزائر تحت اسم “جزاير بني مزغنة” من قبل العديد من الجغرافيّين والمؤرّخين ويعود ذلك نسبة لمواطنيها الأمازيغ “الزيريون بنو مزغنة”. ويُعدّ الجغرافي المسلم أبو القاسم إبراهيم محمد الكرخي، أوّلُ من أشار إلى مدينة الجزائر باسم “جزاير بني مزغنة” بعد تأسيسها من قبل القائد الأمازيغي بولوغين بن زيري، وكان ذلك في كتابه “مسالك الممالك”، حيث قال:« …وجزائر بني مزغنة مدينة عامرة يحف بها طوائف من البربر، وهي من الخصب والسعة على غاية ما تكون المدن ..».
كما أنّ المؤرخ أبو القاسم محمد بن حوقل زارها خلال فترة حكم بولوغين بن زيري الصنهاجي، فوصفها قائلًا:«… وجزائر بني مزغنة مدينة عليها سور في نحو البحر، وفيها أسواق كثيرة ولها عيون على البحر طيبة، وشربهم منها، ولها بادية كبيرة، وجبال فيها قبائل من البربر كبيرة، وأكثر المواشي من البقر والغنم سائمة في الجبال ولهم من العسل ما يجهز عنهم والسمن والتين ما يقع به وبغيره، من هذه الأسباب الجهاز إلى القيروان وغيرها». بالإضافة إلى الجغرافي الأندلسي الشهير أبو عبيد البكري الذي ذكر المدينة خلال وصفه لشمال أفريقية.
وحسب الباحث إسماعيل مجبر فقد أطلق القائد الأمازيغي بولوغين بن زيري تسمية “زيري” على مدينة الجزائر تكريمًا وتخليدًا لاسم والده زيري بن مناد، وهي نفس التسمية التي تنطق محليا “دزيري” بمعنى جزائري أو الواحد من سكان العاصمة، و “دزاير” بمعنى الجزائر، وإلى يومنا هذا ما زال الجزائريون يستخدمون الكلمات الفارطة في قاموس لهجتهم المحلية.
ووفقًا للدراسة الاسمية، فإن اسم مدينة الجزاير يُشتق من كلمة دزاير الأمازيغيّة، إلَّا أنَّ المُؤرّخين العرب يكتبون “جزائر” نظرًا لصعوبة إلتقاء حرفي الدال والزاي في المعجم العربي، ولصعوبة نطق كلمة دزاير الأمازيغية عند تعريفها بإضافة “ال” التعريف العربية مما يعرقل نطقها بشكل سليم، وبذلك يتمُّ دحض جميع المزاعم الّتي تدَّعي أنّ أصل تسمية الجزائر يعود إلى كثرة الجزر بها.
نبذة عن الزيريين
ينتمي الزيريون (بنو زيري) لإحدى السلالات البربرية حكمت في شمال أفريقيا، وتحديدًا في الدول التي تشغلُ اليوم تونس والجزائر وبعض المناطق من ليبيا وبلاد الأندلس، امتدت فترة حكمهم من أواخر القرن العاشر الميلادي حتّى أواسط القرن الثاني عشر الميلادي، وبعد تنصيب الملك الصنهاجي زيري بن مناد كحاكم للمنطقة من قبل الخليفة الفاطمي قرر تسمية دولته بالدولة الزيرية وأقام عاصمة الدولة في ضواحي ولاية البرواقية، وسمّاها آشير.
وفي مطلع القرن الرابع الهجري الموافق للقرن العاشر الميلادي، وعلى وجه الخصوص عندما انتزع الفاطميون أفريقية من أيدي الأغالبة، كانت القبائل الأمازيغية المسلمة في الجزائر في منافسة مستمرة فيما بينها حول الخلافة لحكم شمال أفريقية، وكانت المنافسة محتدمة بشكل خاص بين قبيلة صنهاجة وقبيلة زناتة.
بعد عدة حروب بين القبيلتين، انتصرت قبيلة الصنهاجة تحت إشراف قائدهم زيري بن مناد الذي تحالف مع الفاطميين وصار من أعوانهم وأتباعهم. فحارب أبو يزيد الزناتي الخارجي وقتله، الأمر الذي أدَّى إلى نشوب صراع بين الصنهاجيين وقبيلة الزناتة التي كانت دائمة الإغارة على ممتلكات الدولة الفاطمية، إلى جانب كونهم يكنّون الولاء للأمويّين.
الصراع الصنهاجي الزناتي
عزم الخليفة الفاطمي المعز لدين الله على الانتقال بخلافته إلى مصر، الأمر الذي يستدعي تعيين خليفة له على المغرب وأفريقية، فكان مرشحاه هما زيري بن مناد وجعفر بن علي بن حمدون، إلّا أنّ الأخير مال بأهله وماله و عدده إلى زناتة وخلع طاعة المعز وقام بدعوة الأمويين.
وبسبب النزاعات بين الطرفين وخيانة جعفر بن علي، تلّقى بولوغين من والده والمعز الإذن بالهجوم على الزناتة، فزحف على الزناتة على حين غفلة يوم (15 ربيع الثاني 360هـ / 15 فيفري 971م) في ضواحي تلمسان، ودارت المعركة لصالح الصنهاجيين الذين أوقعوا عددًا كبيرًا من خصومهم كأسرى لهم، وترك الزناتيون ما يقارب جثة سبعة عشر أمير من أمرائهم في ساحة الوغى التي تكدَّست جثث المغلوبين فيها مدة طويلةً. لعب هذا الانتصار دورًا محوريًا في زيادة نفوذ الخلافة الفاطميّة، وآلت إلى انضمام العديد من القبائل إلى الصفوف الفاطميّة.
بعدها سار زيري بن مناد على رأس جيش عتيد للقضاء على جعفر بن علي على غفلة قبل أن يجد خصومه الوقت الكافي لترتيب صفوفهم وكان ذلك في (رمضان 360هـ / جوان 971م)، وفي أوجِّ المعركة، بينما كان القائد زيري بن مناد في صدر جواده يحرُضها بفضل نخوته وجرأته إذ كبا به فرسه فسقط إلى الأرض وقُتل، فانهزم في هذه المعركة، وتمّ قطع رأسه وإرسالُها مع يحي بن علي شقيق جعفر إلى الحكم المستنصر الأمويّ في الأندلس.
إثر وفاة زيري بن مناد، انتقلت قيادة الصنهاجة بسلاسة لابنه بولوغين، وسعيًا للأخذ بثأر أبيه، وبأمر من المعز لدين الله الّذي دعّمه بالرجال والأسلحة والترخيص بالاحتفاظ بالمناطق الّتي سيستولي عليها، قام بولوغين بتجنيد قوات غفيرة، ولم يصطحب معه أيّ رجل حظر موت والده باستثناء ثلاثة أشخاص، اعتقادًا منه أنّهم قد تخاذلوا عندما تركوا قائدهم يموت دون أن يضحّوا بحياتهم من أجله.
لم يترك بولوغين أي مهلة لعدوه، فسارع إلى القتال، وباشر بتطهير ضواحي طبنة وباغاية والمسيلة وبسكرة، أين قضى على زناتة ومزاتة وهوارة ونفزة وغيرهم من البربر وجعل يقول: “لا أمان عندي لبربري ركب خيلا أبدا”.
بعدما أخذ بولوغين بن زيري بثأر أبيه وطهَّر المغرب الأوسط لمدة طويلة من الزناتيّين رجع إلى آشير في أكتوبر 971م، وقد أثلجت هذه الحملة صدر الخليفة الفاطمي الذي جازى الأمير المنتصر على الزناتيين بمنحه المسيلة والزاب الّتي كانت تحت تصرف جعفر بن علي.
وبعد ذلك بقليل استدعى المعز بولوغين لمقابلته وأمره بوقف جميع الحملات العسكرية وحسن معاملة الزناتيين، كما طلب منه أن يُرجِع إليهم ما سبى من النساء والأطفال، فامتثل بولوغين لأوامره فأطلق سراح الأسرى وتأهب للالتحاق بمولاه، ولا شك أنّ الخليفة حرص في تلك الساعة الحرجة على أن يكرس الصنهاجييون مجهوداتهم لاستتباب الأمن في أفريقية عوض هدرها في محاربة الزناتيين الذين تكسرت شوكتهم.
وقبل الانصراف اختار بولوغين من بين عبيده عمالا للمدن التابعة إليه، وهي تاهرت وأشير والمسيلة وبسكرة وطبنة وباغاية ومجانة، وحسب ما ورد في أحد المصادر: “ولمّا وصل إلى المعز جلس له في الإيوان وأدخل عليه فقبله وتحدث معه وشكر أفعاله وقلّده سيفه وخلع عليه خلعةً من لباسه وقاد بين يديها أربعين فرسًا بسروج الذهب المثقّلة وأربعين تختًا بالثّياب الفاخرة وخلع على جميع أصحابه وأكرمهم غاية الإكرام”، من الممكن أن تكون الرواية السابقة محرفة، على أنه لا يستبعد أن يكون المعز قد قصد بهذا التكريم والاستقبال الحافل التعبير عن نواياه في تعيين بولوغين كخليفة له في المغرب.
وعلى كل حال، فإن هذا التكريم الذي كان بمثابة عملية تنصيب تمهيدية، أثار احتدام وحسد الكتاميّين الّذين أرسلوا بملاحظات إلى الخليفة ولكن دون جدوى، ولمُا عزم المعز الرحيل إلى مصر قدم إليه بولوغين “ألفي جمل من إبل زناتة لحمل ماله بالقصور من الذخائر”.
وكونه الخادم الأمين للخليفة الفاطمي حرص بولوغين على نصرة القضية الفاطمية ضد الزناتيين التابعين للأمويين في المغرب الأقصى، كما حاول تحقيق حلم التوسع الّذي لا طالما كان حلم أسياده وإشفاء غليل حقد قبلي قديم مرتكز على النزاع العريق بين بدو الرحل والحضر.
رحيل الخليفة الفاطمي وتولية بولوغين
قبل أن يغادر المعز إلى مصر بشكل نهائي أقام معسكره خارج المنصورية وبعد إنهاء جميع الاستعدادات، توجّه إلى سردانية يوم الاثنين (21 شوال 361هـ) رفقة بولوغين، وهناك تمّت إقامة موكب التّقليد الرسمي يوم الأربعاء (20 ذو الحجة 361هـ).
وتعتبر الخدمات الجليلة التي قدمها بولوغين ووالده إلى الدولة سببًا كافيا لتبرير هذا الاختيار الذي لا جدال فيه، لا سيما بعد خيانة جعفر بن علي بن حمدون.
قدم المعز إلى بولوغين ثلاث توصيات قبل توديعه، فقال له: “إن نسيت ما أوصيتك به فلا تنسى ثلاثة أشياء، إيَّاك أن ترفع الجباية عن أهل البادية والسَّيف عن البربر، ولا تولِّ أحدَا من إخوتك وبني عمك، فإنّهم يرون أنَّهم أحق بهذا الأمر منك، وافعل مع أهل الحضر خيرًا”.
وترك المعزّ أمر صقلية لواليها أبي القاسم علي بن الحسن بن علي بن الحسين الكلبي، وهو ثالث من تولى الحكم في صقلية من أمراء الأسرة الكلبية، وقام بتسليم جميع مقاطعات المغرب وأفريقية إلى بولوغين، وأعطى الإذن لكُتَّابه بأن يكتبوا إلى العمال ووُلَّاة الأشغال ليأمرهم بالسّمع والطّاعة لخليفته، وعهد إليه بقيادة الجيش وجمع الضرائب وإدارة الأقاليم وأصبحت الرسائل التي تصدر عن بولوغين تُستهل بالعبارة الآتية: “من عبد الله أبِي الفُتوح يُوسف بن زيرِي خليفة أمير المؤمنين”.
ذلك أن الخليفة الفاطمي قام بتعويض اسم بولوغين البربري باسم يوسف، وكناه بأبي الفتوح عوض الكنية الّتي يبدو أنه كان معروفا بها، وهي أبو حبوس. كما أطلق عليه لقبا فخريا وهو سيف الدولة، وقيل سيف العزيز بالله أو عدة العزيز بالله وأطلق عليه مصدر واحد لقب بولوغين بن زيري ظهير الدولة.
وبعدما أمره الخليفة بالعودة، عاد إلى القيروان حيث نزل بقصر السلطان، وخرج إليه أهل القيروان فاستقبلوه استقبالًا حارا وهنوه، وأقام هناك مدة شهرين، وبعث العمال والولاة إلى جميع البلاد ونفذت جميع أوامره وتمكن من قمع ثورة الخوارج في منطقة قابس حيث اقتحم المتمردون المدينة ونهبوها لكنهم هزموا شرَّ هزيمة.
وبعد تنظيمه للإدارة التفت إلى المغرب، ليحقق غايته، ويمتثل لطلب الخليفة الذي أوصاه بأن يستفتح ويستهل عهده بالقيام بحملة عسكرية بالمغرب ليجتثَّ بذور الفتنة وآثار بني أمية منها.
حملة بولوغين بالمغرب الأوسط
في 4 جوان 973م، قاد بولوغين جيشه إلى المغرب، وعندما وصل إلى باغاية قام بتولية عامل عليها وأوصاه بحسن معاملة أهلها والرفق بهم، وبفضل ذلك دخل أهلها في طاعته.
وما إن اِستأنف طريقه (لا تذكر المصادر وجهته المحددة) حتى وصله نبأ تمرّد أهل باغاية على عاملهم الجديد، فأرسل إليهم بولوغين جنوده، فهزموهم وأخمدت نيران الشغب.
بعد ذلك، أرسل إليه عامل تاهرت خلوف بن أبي محمد مبعوثًا يُعلمه بأن أهل تاهرت قد أزاحوا عاملهم فانصرف بولوغين لمعاقبتهم، فاسترد تاهرت عنوةً وأحرق المدينة وقتل الرجال وسبى النساء والأطفال.
وفي طريقه إلى باغاية التي لا شك في أنها ما زالت في حالة تمرد، بلغه خبر استيلاء الزناتيين على تلمسان، فسار إليهم لكنهم لاذوا بالفرار، وبعد حصار طويل استسلم المدينة.
أرسل إليه المعز بعد ذلك أمرا بعدم التوغل في المغرب، فقفل راجعا إلى القيروان. وفي 29 ديسمبر 973م، عاد أدراجه للمغرب، وعلى الأغلب إلى آشير بعدما ترك القيروان وصبرة تحت ولاية جعفر بن تمرت.
بعد وفاة جعفر بن تمرت، قام بولوغين بتنصيب عبد الله بن محمد الكاتب التميمي، إلّا أنّ الأخير قابل طلبه بالرفض، فاستدعى بولوغين الأمير حبّوس بن زيري وكرامة بن إبراهيم وكباب بن زيري وخلوف بن أبي محمد وسألهم عن العقاب المثالي لمن يعصي أمر الأمير ويرفض أن يتقلد منصب نائب الأمير في أفريقية، فأجابوا أنّ ذلك يستوجب القتل.
فأرسلوا إلى عبد الله الكاتب يطلبون منه تنفيذ أوامر الأمير وهددوه بالقتل في حال رفضه، فاستسلم وتحول إلى أفريقية. وفور وصوله إلى القيروان، استقبله زيادة الله بن قديم، وكانت علاقتهم جيدة في البداية إلَّا أنَّ ذلك لم يدم طويلّا حتى اندلعت شرارة المنافسة بينهما، وانتهى الأمر بقتل عبد الله الكاتب لزيادة. وعلى إثر وفاة الأخير التجأ أحد مناصريه الذي يُدعى خلف بن خير إلى أحد القلاع رفقة عدد من البربر ومن المحتمل أنَّ مناصري زيادة الله بن القديم كانوا من الكتاميّين.
سار بولوغين بجيش جرّار إلى القلعة الّتي تحصَّن به خلف الله، وسيطر عليها في اليوم الرابع من الحصار، ويُذكر أنَّ قرابة 7000 متمرد لقيَ حتفه، وتمَّ اِرسال رُؤوسهم إلى القيروان، لكن خلف الله لاذ بالفرار والتحق ببلاد كتامة.
فأعلن بولوغين الكتاميّين بأنَّ أيّ شخص يساند خلف الله سيُعتبر خارجًا عن القانون ويلقى شرَّ المصير. دفعت تهديدات بولوغين الكتاميّين إلى تسليم خلف الله لهُ، رفقة ابنه واخيه وخمسة من أبناء عمومته، فأغدق بالهدايا كل من ساهم في هذه الخدمة.
الحملة العسكرية الكبرى على المغرب الأقصى
اتجه بولوغين نحو المغرب يوم الأربعاء (24 شعبان 368هـ / 27 مارس 979م)، فزحف على فاس بجيش يتكون من ستة آلاف فارس من نخبة فرسانه، وتمكن من السيطرة عليها. واستولى بعد ذلك على سجلماسة التي كان يجتمع بها الزناتيون، كما قتل أمير مغراوة بن خرز، وسيطر بعدها على بلاد الهبط، الأمر الذي دفع عُمال المغراويّين وبني أمية والزناتيين وبني يفرن للهروب إلى سبتة. إلّا أنّ بولوغين اقتفى أثرهم حتى سبتة، ووجد معسكر الزناتيين، فتعجب من عدد الرجال الكبير هناك ومن إمداداتهم القادمة من الأندلس.
وأمام اِستحالة هزيمة جيوش الزناتيين في هذه الحالة، قرر بولوغين العدول عن الهجوم على سبتة، واتّجه بعدها نحو البصرة المغربية فاستولى عليها ونهبها ثمّ سار نحو أصيلا الّتي من المُرجح قد استولى عليها هي الأخرى، رغم عدم إشارة المصادر إلى ذلك. تحوّل بولوغين بعد ذلك إلى برغواطة، فاستولى عليها كذلك، لكنّه غادرها سنة 372هـ.
أسرته
تذكر المصادر أنَّ القائد بولوغين بن زيري حظِيَ بالعديد من الأولاد، لكن المعروفين منهم هم: المنصور وإتوفت وحماد.
وفاته
ما إن قام بولوغين بتخفيف الخناق على البصرة وشمال المغرب الأقصى، رجع بنو يفرن ومغراوة إلى الأراضي التي أخرجوا منها. وبينما كان بولوغين يبتعد عنها إذ دخل وانودين بن خزرون بن فلفل إلى سجلماسة فطرد عامل بني زيري ونهبها، وعندما درى بولوغين بذلك عاد أدراجه إلى سجلماسة، ولكنه مرض في الطريق وقيل خرجت في يده بثرة. وحسب رواية ابن خلدون، فيُذكر أنّ وانودين رحل من سجلماسة عند اقتراب بولوغين، لكنّه عاد لاحتلالها مجددًا بعد سماعه بخروج بولوغين منها.
في تلك الأثناء، كان المرض قد فتك بجسد بولوغين في مكان يقع بين تلمسان وسجلماسة، وفي ذلك المكان وافته المنية يوم الأحد (21 ذي الحجة 373هـ/ 25 ماي 984م). اِستمرَّت فترة حكمه 13 سنة وبضعة أشهر بصفته أمير صنهاجة، وحكم 12 سنة بصفته خليفة الفاطميين، وخلفه في الحكم ابنه المَنْصُور. وتتجلَّى لنا مكانة القائد بولوغين الرفيعة عند معرفة أنَّ أحد بلديَّات ولاية الجزائر تحمل اسمه تكريمًا له.
المصادر
-“Histoire des Berbères et des dynasties musulmanes de l’Afrique septentrionale” by Ibn Khaldoun.
-“الدّولة الصّنهاجيّة تاريخ إفريقية في عهد بني زيري – من القرن 10 إلى القرن 12م” للهادي روجي إدريس.
-“خدمات زيري بن مناد الصنهاجي و دورها في الدفاع عن الدولة الفاطمية العبيدية في بلاد المغرب” لطارق بن زاوي.