عبد الرحمان الثعالبي

عبد الرحمان الثعالبي

الإمام عبد الرحمن الثعالبي، أحد أعلام التصوف في القرن الثامن للهجرة، لم ينل حقَّه من اهتمام المؤرّخين والباحثين، رغم جعبته الّتي تعبئُ بالمؤلفات المهمة ومعارفه الواسعة. فعوضًا عن أن تبنى المدارس باسمه، وتُنشر أفكاره، وتُعدُّ عنه البحوث والدراسات، أصبح ضحيةً لبدع العوام، فاتّخذوه درويشًا، وطافوا بضريحه للتّبرك والشّفاء، وأُشعلت الشموع عنده، وحَلفوا باِسمه، وسألوه قضاءَ حاجاتهم. وفي هذا المقال نطمح لتخليص الإمام الثعالبي من التصوف البدعي وأمشاج الخرافات والشرك.

نشأته 

اسمه الكامل هو أبُو زيد عبد الرحمن بن مُحمد بن مَخلوف بن طلحة بن عامر بن نوفل بن عامر بن منصور بن محمد بن سباع بن مكي بن ثعلبة بن موسى بن سعيد بن مفضل بن عبد البر بن قيس بن هلال بن عامر بن حسان بن محمد بن جعفر بن أبي طالب. عُرف بكونه مفسر وفقيه وأحد أعلام الأشاعرة المالكية، ومن خِيار عباد الله الصَّالحين.

أبصر الإِمام عبد الرحمن الثعالبي النور عام 786هـ، (تذكر بعض المصادر ميلاده عام 785هـ)، بالقرب من وادي يسر بجوار مدينة يسر، والّتي تنتمي لولاية بُومرداس البعيدة عن العاصمة الجزائريّة بحوالي 60 كم. 

ينتمي الثعالبي إلى أسرة علم وجهاد، حيث أنَّه ينحدر من قبيلة بني ثَعْلَب (الثعالبة)، فهم أبناء ثعلب بن علي من عرب المعقل الّتي يتمّ نسبُها لعبد الله بن جعفر بن أبي طالب عمّ الرسول -صلى الله عليه وسلم-، ولقد حكم الثعالبة في بني مزْغنَّة (تسمية تطلق على العاصمة الجزائريّة قديمًا، ففي القرن العاشر ميلادي، كان بولوغين بن زِيرِي قد أعاد تأسيس مدينة الجزائر “مزغنة” فسُميت كذلك نظرًا لاِستقرار قبيلة مزغنّة بها).

ترعرع الثعالبي في بيئة محافظة تُشجَّع على طلب العلم والصَّلاح، فرافق والده إلى المغرب الأقصى لإثراء رصيده المعرفي. فالتقى بجمعٍ من أساطِين علماء زمانه، وتعلَّم تحت إشرافهم أصول الدّين والفقه المالكي، ومن أهمّ أساتذته نذكر العجيسي التلمساني المعروف بالحفيد أو حفيد ابن مرزوق.

كما أنَّه سافر إلى مدينة بجاية، والتي تعدّ قبلة العلم والعلماء، فقد سبقت ولاية الجزائر وتلمسان بوجود مدرسة عبد الرحمن الوغليسي، كما أنَّ العلامة عبد الرحمن بن خلدون كان قد دَرَسَ ودرَّسً واستوزر بها. 

بقي الإمام الثعالبي فيها لمدّة سنة، وبعد أن توفي والده، قرَّر أن يرجع لمسقط رأسه، لكن لم يلبث حتَّى عاد أدراجه لبجاية، وكان ذلك عام 802هـ، فانكبَّ على الدراسة فيها والأخذ عن علمائها قرابة السبع سنوات، ودرس بالعديد من المساجد هناك مثل جامع بجاية الأعظم ومسجد عين البربر.

تتلمذ على يد زُمرة من فطاحِل العلماء، أمثال: الفقيه أبو الحسن علي بن عثمان المنجلاتي، والشّيخ أبو الربيع سليمان بن الحسن، وأبو الحسن علي بن محمد البليليتي، وعلي بن موسى، والإمام العلامة أبو العباس النقاوسي، والشيخ قاسم المشدالي.

إلى جانب الشيوخ السابق ذكرهم، درس الثعالبي على يد الشيخ أحمد بن إبراهيم البجائي، وقد قال الثعالبي في شأنه: “لو أنَّ رجلًا لم يعص الله قط، لكان أحمد بن إبراهيم، كان في ذلك أعلم علماء بجاية آنذاك، وكانت تربطه علاقات حسنة مع السّلطان عبد العزيز عزّوز المتوكل“.

رحلته إلى تونس 

تعدُّ تونس أحد أهم محطات رحلته العلمية الطويلة خارج الجزائر، فقد حطَّ الرحال بها سنة 809هـ، درس الثعالبي في جامع الزيتونة فتتلمذ على يد جهابذة من كبار المفكرين والعلماء، أمثال الشَّيخ أبو مهدي عيسى الغبريني، الَّذي قال عنه الثعالبي هو “واحد زمانه علمًا ودينًا وورعًا إليه كانت الرحلة”.

كما نهل من ينابيع المعرفة وحياضها على يد شيوخ آخرين، كالشّيخ أبو عبد الله الأبي، وأبو القاسم البرزلي، وأبو يوسف يعقوب الزغبي، وغيرهم، وبقي في تونس لمدةٍ تزيد عن تسع سنوات.

رحلته إلى مصر

لم يكتف الثعالبي بالقدر الّذي حصَّله من العلم، فراح يستزيد من رحيق المعرفة في مصر، والتي كانت تُعدُّ أحد أهم منارات العلم آنذاك، فسمع صحيح البخاري ودرس علم الحديث ولازم شيخ المالكيّة أبي عبد اللَّه البساطي.

لم تطل إقامته بمصر، حيث مكث فيها سنة واحدةً فقط، ثم شدَّ الرحال إلى مدينة بورصة، أين حظيَ باستقبال حار، وكتكريمٍ له، تمَّ إنشاء زاوية صوفيّة خاصة به هناك، والّتي لا تزال لحد يومنا هذا وقفا حبسا عليه.

بعد ذلك توجَّه الثعالبي إلى الحرمين الشريفين ليؤدي فريضة الحج، وقام بمجالسة علماء المنطقة وأخذ عنهم الكثير، مما جعله يَتضَلَّع في شتَّى أنواع العلوم الدينيّة، ثم انتقل مجددًا إلى مصر ثُمَّ تونس. إلَّا أنَّ الدكتور أبو القاسم سعد الله يعتقد بأنَّ الثعالبي قد زار بغداد والقدس والشام أيضًا، كما جرت عادة الحُجَّاج والعلماء آنذاك.

ساهمت رحلته عبر الأقطار الإسلاميّة بشكل محوري في تكوينه، خاصةً في ما يتعلَّق بزهده وتصوفه في الحياة.

العودة لتونس 

عندما عاد الثعالبي إلى تونس سنة 817هـ، لَقِيَ شيخه أبو مهدي عيسى الغبريني قد تُوفيَ، وكان قد خلفه في التعليم الفقيه أبو عبد الله محمد القلشاني، فدرس عنده لفترة، إلى جانب الشَّيخ أبو القاسم بن أحمد البرزلي. 

لم يقدر أحد آنذاك على مجاراة الثعالبي في علم الحديث فقد أنصت الجميع له إذا تحدّث وقبلوا رواياته. وفي سنة 819هـ، اِلتقى الثعالبي بالشّيخ ابن مرزوق فقام بملازمته وتعلّم منه الكثير، فسمع عليه موطأ الإمام مالك بقراءة الفقيه أبي حفص عمر القلشاني ابن الشيخ أبي عبد اللَّه إلى جانب علوم أخرى، كما تتلمذ على الشّيخ المحدث عبد الواحد الغرياني وحافظ المغرب أبي القاسم العبدوسي وابن قرشيّة.

وبعد رحلته الطويلة في طلب العلم عاد إلى قصبة الجزائر، فأصبح مؤلفًا وملقي دروس بالجامع الكبير، أقدم جامع قائم في العاصمة الجزائرية.

كما اِمتهن القضاء لفترة قصيرة، لكنّه انقطع عنه ليعكف على العبادة والزهد، وتروي المصادر بأنَّ أحد بقايا آثاره لا زالت لحدّ اليوم متواجدة بهذا المسجد (مقبض عصا خطيب صلاة الجمعة).

إرثه وأعماله

يُعتبر الإمام عبد الرَّحمن الثعالبي من نوابغ القرن التّاسع الهجري، فقد خلَّف وراءه إرثًا فكريًا اِكتسح مكتبات العالم العربيّة منها والغربيّة، واشتهر بقدراته الفذّة في التأليف، وكانت غالبية مدوناته ومصنفاته في علوم العقيدة الإسلاميّة وله في ذلك الباع الطويل، فقد ترك حوالي تسعين مؤلفا، بين رسائل وشروح وحواشي وتعاليق وكتب مستقلة في الوعظ والرقائق والذكر والتفسير والفقه والحديث والسيرة والتوحيد واللغة والتراجم، ومن أهم أعماله نذكر:

1- روضة الأنوار ونزهة الأخيار: ألَّفه الثعالبي لعدة أسباب، منها إرشاد الناس للتمسك بكتاب الله والسُّنة، ورغبته بالتّعريف بالفقهاء المالكيّين، كونه ينتمي للمذهب المالكي، وحرصه الشَّديد على نشر المذهب والكتابة عنه. ومن المصادر الّتي اِعتمد عليها الثعالبي نذكر كتاب “ترتيب المدارك وتقريب المسالك لمعرفة أعلام مذهب مالك” لعياض أبي الفضل اليحصبي الَّذي أخذ عنه الثعالبي الكثير. اِستعمل أسلوب نقل ألفاظ مؤلفي المصادر دون تغييرها، وأضاف بعض التعليقات الّتي رَمزَ إليها بحرف التّاء كدلالة على كلمة “قُلْتُ”. ومن خلال قراءة هذا الكتاب، سيتجلَّى لك حب الثعالبي وتقديره للإمام مالك بن أنس رضي الله عنه، إذ خصص له جزءًا معتبرًا للترجمة له وذكر محاسنه ومناقبه وخصاله.

2- الأربعون حديثا في الوعظ.

3- الذهب الإبريز في تفسير وإعراب بعض آي الكتاب العزيز: يتناول الكتاب تفسير وإعراب آيات من القرآن الكريم، واعتمد فيه الثعالبي على ثلاثة مصادر أساسية هي “المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز” لابن عطية الأندلسي، وكتاب “المجيد في إعراب القرآن المجيد” لإبراهيم الصفاقسي، وكتاب “التبيان في إعراب القرآن” لأبي البقاع الكعبري.

يحتوي الكتاب على ثلاثة أبواب: باب إعراب أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وباب إعراب بسم الله الرّحمن الرّحيم، وباب مخصص لكل سورة من سور القرآن الكريم.

4- حقائق التوحيد.

5- رياض الصالحين وتحفة المتقين.

6- الأنوار في آيات النبي المختار: عبارة عن ثلاث مجلدات تتناول السيرة النبويّة وغزواته وسير الصحابة وغزواته وصفاتهم.

7- النصائح.

8-الذهب الإبريز في غريب القرآن العزيز: معجم مختصر في تفسير غريب القرآن.

9- رياض الأنس في علم الدقائق وسير أهل الحقائق.

10- نور الأنوار ومصباح الظلام.

11- شرح على مختصر خليل بن اسحاق.

12- جامع الخيرات المصنف بقرب الممات.

13- الدر الفائق المشتمل على أنواع الخيرات في الأذكار والدعوات.

14- المختار من الجوامع في محاذاة الدرر اللوامع في أصل مقرأ الإمام نافع.

15- كتاب الرؤى والمنامات.

16- الجامع الكبير.

17- الأنوار المضيئة الجامعة بين الحقيقة والشريعة.

18- كتاب الإرشاد.

19- نفائس المرجان في قصص القرآن.

20- العلوم الفاخرة في النظر في أمور الآخرة (مجلد واحد): قسَّم المؤلف كتابه إلى عدة أبواب، نذكر منها؛ 

-باب في ذكر الموت والرفات ومصير الأرواح.

-باب الإستعداد للآخرة.

-باب ما يدعو به العبد قبل موته.

-باب في حمل الجنازة إلى القبر.

-باب صفة حشر الناس.

21- التقاط الدرر: يحتوي الكتاب على الدرر الثمينة الّتي تحث على مكارم الأخلاق والأعمال الصالحة.

22- إرشاد السالك.

23- الدرر اللوامع في قراءة نافع.

24- قطب العارفين ومقامات الأبرار والأصفياء والصديقين.

25- جامع الهمم في أخبار الأمم (جزءين).

26- الجواهر الحسان في تفسير القرآن: به أربعة أجزاء مذيلا بمعجم لغوي للشرح.

27- الإرشاد لما فيه من مصالح العباد.

28- شرح على مختصر ابن الحاجب الفرعي.

29- كتاب النصائح وجامع الفوائد.

30- جامع الأمهات في أحكام العبادات: يتضمّن في مجمله كل ما يتعلق بالطّهارة. وحسب ما ورد فيه فيمكن من خلاله استخلاص طبيعة الحياة الإجتماعيّة السّائدة في الجزائر آنذاك، حيث نجد أسماء أواني الطّبخ والملابس وكيفيّة جمع المياه، وحتَّى الحيوانات الّتي عاشت مع الإنسان كالكلاب والقطط. 

31- تحفة الإخوان في إعراب بعض آي من القرآن.

32- غنيمة الوافد وبغية الطالب الماجد.

33- المعجم المختصر في غريب القرآن.

34- حقيقة الذكر.

تبين هذه النماذج من مؤلفات الثعالبي جمعه بين علوم الشريعة (العلوم النقلية) وعلوم الحقيقة (علوم التصوف)، ويذكر الأستاذ محمد بن عبد الكريم وجود مؤلفات أخرى له لا نعلم عنها سوى أسمائها، وهي: “شرح على ابن هارون”، و”شرح على غرر ابن عرفة”، و”شرح عيون مسائل المدونة”.

كان الثعالبي مكتبة متنقلة، أَمدَّ التَّاريخ والمؤرّخين بمعلومات قيمة يتعذًّر العثور عليها عند غيره، فلم يكتف بالتدريس والتَّعليم وإِنَّما اِشتغل كذلك بالتأَّليف والتَّدوين، وهو عمل مضنِي وشاق، إذ أنَّه عاش في زمنٍ لم تتوفر فيه الطِّباعة وقلَّ فيه المنتجون لإخلاد أغلبهم إلى الراحة.

ومن أهم القيم الّتي نلمسها عند الثعالبي، هي الأمانة والصِّدق والتدقيق، كما أن الثعالبي صوَّر لنا جملة العلوم المتداولة آنذاك من خلال مؤلفاته، فكانت في أغلبها علومًا دينية كالتفسير والعقائد والفقه والتصوف، إلى جانب اللّغة والأدب كالشّعر والنّثر والبلاغة.

كان تصوف الثعالبي يقوم على إطار تصوف إسلامي صحيح، تستند أصوله من القرآن والسنة، فوفَّق بين الشَّريعة والحقيقة الصوفيّة فرفض الفتن والبدع والمجادلات السياسيِّة والتعصب المذهبي ودعى للتحرر من الماديات، كمظاهر الترف والبذخ، واعتبر أنّ الأخلاق جزء أساسي من الدِّين، خاصةً الإجتماعيٍّة والنفسيّة منها.

عائلته 

لا وجود لمصادر تذكر تاريخ زواجه، ولكن يُروى أنَّ الإمام الثعالبي تزوَّج من امرأة تُدعى “مريم” وأنجبَ معها ثمانية أولاد، منهم أربعة ذكور، هم: محمد الصغير والّذي تُوفي بوباء الطَّاعون، ومحمد الكبير ومحمد آخر عُرف بابن الصّالحية، ويحيى، أما بناته الأربعة فهنّ: فاطمة ورقيّة وعائشة ومحجوبة.

إجازات شيوخه له

الشّيخ محمد بن مرزوق

أخذ الثعالبي عنه الكثير من الموطأ بقراءة الفقيه حفص عمر بن الشيخ أبي عبد الله القلشاني. إلى جانب الأربعين حديثًا الّتي جمعها أبو زكريا يحيى النووي. ونظرا لسمعة الشيخ محمد بن مرزوق ومدى تأثيره في الشيخ الثعالبي قال فيه هذا الأخير: “لا أعلم له نظيرا في ذلك في وقته ،فيما علمت وسمعت عليه”.

وفي أواسط جمادى الثاني، أجاز الشيخ محمد بن مرزوق تلميذه كل مروياته من مقروءٍ ومسموعِ، وجاءت صيغة الإجازة المكتوبة بخط يده كالتالي: “قد أجزت سيدي الشّيخ الأجل، الفقيه الأنبل، المشارك الأحفل، المحدث الرحلة الأفضل، الحاج الصّالح المبارك الأكمل، أبا زيد عبد الرحمن الثعالبي؛ أُجيزه إجازةً مطلقةً كاملةً عامةً، نفعني الله وإيَّاه بما علمنا، قال ذلك وكتبه، محمد بن أحمد، ابن محمد، بن أحمد، بن محمد بن أبي بكر، محمد بن مرزوق العجيسي التلمساني”.

الشَّيخ أبُو زرعة

كان الشيخ أبو زرعة وليّ الدّين العراقي أحد شيوخ الثعالبي الّذين أجازوا عليه فِي فترة إقامته بتونس، والّتي تعتبر أخصب مرحلة في رحلته المعرفيّة.

فكتب ابن زرعة بخط يده يُجِيز تلميذه قائلًا: “فقد أَجزتُ للشَّيخ الصَّالح، الفاضل الكامل، المحرر المحصل، الرحال أبي زيد عبد الرّحمن بن محمد بن مخلوف الثعالبي […] أجزت له كل مسموعاتي ومحضوراتي ومجازاتي ومقولاتي، وأنا بريء من الغلط والتحريف، وذلك يوم عاشوراء سنة سبع عشر وثمان مائة”.

الشّيخ الأبيّ

قال الثعالبي عن شيخه الأبيّ: “الحمدُ لله ربِّ العالمين وصلواته على سيِّدنا محمد شرف النبيِّين أمَّا بعد: يقول الفقير إلى الله، عبد الرّحمن بن محمد ابن مخلوف الثعالبي لَطفَ اللهُ به؛ هذا استدعاء التمسُ به الإذن بالإقراء فيما نذكر من سيِّدي ومولاي الشَّيخ الإمام، الحجة، الثقة إمام المحققين الجامع بين حقيقتي المنقول والمعقول، ذو التصانيف الفائقة البارعة والحجج السّاطعة اللَّامعة، سيّدنا أبو عبد الله محمد ابن خلفه أعاد الله علينا من بركاته وبركة سلفه […]”. 

 فردَّ عليه الشيخ الأبي قائلا: “الحمدُ للهِ ما قاله الصَّاحب الفقيه المجيد الأكرم أبو زيد عبد الرّحمن بن محمد الثعالبي، صحيح فقد آذنت له في اقراء ما ذكر وثوقًا بجودة فهمه وجودة قريحته جعلني الله وإيّاه من العلماء العاملين”.

تلاميذه

أخذ عن الإمام الثعالبي كوكبة من طلبة العلم بالجزائر، والّذين جابت شهرتهم الآفاق فيما بعد، أمثال:

-محمد بن عبد الله التنسي (الحافظ التنسي).

-أحمد بن عبد الله الجزائري الزواوي: مؤلف “المنظومة الجزائرية” المشهورة في التوحيد.

-علي بن محمد التالوتي.

-ابن زكري التلمساني.

محمد بن مرزوق الكفيف.

-محمد بن يوسف السنوسي.

-أبو إبراهيم إسماعيل بن إبراهيم بن عبدُ الجليل السنجاسني.

-محمد المغيلي التلمساني.

-عليّ بن عيّاد بن أبي بكر البكريّ.

-أحمد زروق: إمام الطائفتين الصوفية والفقهاء، قال في شأن شيخه الثعالبي: “كان رأسا في العبادة، وغرة لامعة في الزهد والعلم، وكانت الديانة أغلب عليه من علمه”.

-الرحالة عبد الباسط بن خليل: مؤلف “الرَّوض الباسم في حوادث العمر والتراجم”. يقول عبد الباسط:”…فدخلنا الجزائر وتبركت بسيّدنا الشّيخ الولي العالم العلّامة الشهير الخطير الكبير سيدي عبد الرحمان الثعالبي، وسمعنا شيئًا من فوائده، وسألته بعض أسئلة كانت تشكل علي فأفادنيها على أحسن وجه وأتمّه، ورأيت تفسيره، وقرأت عليه من أوائله بعض السطور، وأجازني رحمه االله تعالى، ثمَّ رحلنا من الجزائر”.

-علي بن عيسى بن سلامة بن عيسى البسكريّ: مؤلف “اللوامع والأسرار في منافع القرآن والأخبار”، وقد وصف فيه شيخه الثعالبي كالتالي: “الشيخ الصالح الزاهد العالم العارف أبو زيد عبد الرحمان الثعالبي… وهو من أكابر العلماء وله تآليف جمة، وله على القرآن تفسير حسن وسماه بـ”الجواهر الحسان في تفسير القرآن”. لقيته أنا وناولني كتاب الجواهر الحسان كاملا من عنده، من أوله إلى آخره، أعطاني نسخة من عنده لا بشراء ولا بعوض -عوضه االله في الجنة-“.

-عبد الرّحمن بن علي بن عبد الله الغبريني البجائي.

-عبد الجليل بن محمد الزروالي.

مقبرته 

مقبرة سيدي عبد الرحمن الثعالبي أو كما يطلق عليها اسم مقبرة قصبة الجزائر أو المقبرة الثعالبيّة، إحدى الصروح الدينيّة الّتي تتواجد في بلدية القصبة، دائرة باب الوادي، في الجزائر العاصمة، تمَّ بناؤها سنة 895هـ.

دُفنت بها كل من الشخصيات الآتية:

محمد مشاطي: مجاهد جزائري وعضو في مجموعة لـ 22 التاريخية.

حمد باي بن محمد الشريف: والي عثماني على الجزائر.

ميدة العمالي: فقيه مالكي وقاضي وشيخ الجماعة بالجزائر.

عبد الرحمن الثعالبي.

-عبد الحليم بن سماية: عالم دين وشاعر.

-علي العمالي: عالم وصوفي.

محمد ابن أبي شنب: أديب جزائري.

محمد العمالي: فقيه ومفتي صوفي.

وفاته  

نحن الآن نقف أمام سيرة غنية حافلة بالإنجازات التي تؤكد بكون الشيخ عبد الرحمن الثعالبي أحد موسوعات عصره، حيث جمع بين علمي المعقول والمنقول، وقام بتقويم وتصحيح العديد من المفاهيم المنتشرة عند الشعوب الإسلاميَّة كما تخرج على يده ثلة من علماء الجزائر، حتى أن مدينة الجزائر صارت تُسمى ببلاد سيدي عبد الرحمن.

وفي يوم الجمعة 23 رمضان 875هـ، اِنطوت صفحة العلَّامة عبد الرَّحمن الثعالبي عن عمر ينهاز 90 سنة، ولا زال ضريحه يتواجد في زاويته بالجزائر العاصمة في مقبرة سِيدي عبد الرَّحمن الثعالبي.

رثاؤه

قام برثاء الإمام الثعالبي العديد من تلاميذه، نذكر منهم أحمد الجزائري الذي رثى شيخه بقصيدة قوية، مطلعها:

قد جزعت نفسي لفقد أحبتي

وحق لها من مثل ذلك تجزع

ألمَّ بنا ما لا نطيق دفاعه

وليس لأمر قدر الله مرجع

-إلى أن يقول:

لقد بان أهل العلم عنا وأقفرت

منازلهم إنا إلى الله نرجع

كما بان عنا شهمنا العالم الذي

سناه بأنوار الحقيقة يسطع

أبو زيد المشهور بالعلم والتقى

له العلم فينا والمقام المرفع

هو العالم الموصوف بالنفع والورى

به عنهم خطب الحوادث يرفع

-إلى أن يقول معزيًا ابن الثعالبي، محمد الكبير:

أعزي أبا عبد الله محمدا 

ومن بجميل الصبر نرجو سيجمع

ونحن وإن جميعا نحبه

فقلبك أشجى للفراق وأوجع 

أُصبنا به فالله يعظم أجرنا

ويلهمنا الصبر الجميل ويوسع

المصادر

-“عبد الرحمن بن محمد الثعالبي”، أ.حساني مختار.

-“دراسة تاريخية مع العلامة عبد الرحمن الثعالبي في رحلته العلمية”، للدكتور الصادق دهاش.

-“عبد الرحمن الثعالبي والتصوف”، لعبد الرزاق قسوم.

-“مكانة شخصية الشيخ عبد الرحمان الثعالبي في العهد العثماني” ل د.بعارسية صباح.